أعمدة الرأي

دكتور شنان يكتب لو (مُعنعن) قول كلموني !!

 

      والسيد اللواء الدكتور محمد الأمين البشرى العالم الشرطي النحرير يكتب سِفراً قيماً عن تاريخ الشرطة السودانية أسماه (التاريخ الرمادي للشرطة السودانية ) يتحدث فيه عن مواقف الشرطة السودانية الغارقة في المهنية والمتماهية مع الأنظمة السياسية دفاعاً عنها تماماً في المنطقة الرمادية بين (بياض المهنية) الناصع … و(سواد السياسة) القاتم … ولأنني شرطي مهني تجري في دمي هذه الدماء الشرطية الزكية… فإنه كان من الواجب عليّ أن أبتعد عن الخوض في السياسة وأوحالها… تماهياً وتمادياً مع تلك الدماء وذلك بحكم التربية المهنية الصارمة التي تلقيتها طفلاً رضيعاً في بلاط المهنة وفي ميادين تدريبها وقاعات محاضراتها !! … وما أنا إلا من غُزية أن غوت… غويت وإن رشدت غُزية أرشد !!… ولكن…..وخروجاً على المألوف نكتب اليوم في السياسة …لأن السياسة ظلت تلاحقنا داخل المهنة وخارجها.. وتعبث بنا …وتمد لسانها هازئةً منّا وساخرةً من إنضباطنا وإخلاصنا … فوجب علينا أن نخرج من المنطقة الرمادية هذه …

فما دام اقتصادنا سياسة … وإجتماعنا سياسة …ورياضتنا سياسة …وهلال مريخ سياسة …

وما دامت مهنيتنا سياسة … و(إستعدادنا) سياسة … ورواتبنا سياسة …و (رباط بوتنا) سياسة … وزرائر (بوشيرتاتنا) سياسة …و(علامة البيريه) سياسة …و(تفويل) مركباتنا سياسة … 

وما دامت (ترقياتنا) سياسة …و إحالتنا سياسة …والمماطلة في تنفيذ أحكام القضاء سياسة …والممانعة في عودة الحق لأهله سياسة .. فما العيب في أن نخوض في السياسة ؟!

….فمن الغباء إذاً ألا نتعاطى مع السياسة …فالسياسة ليست عيباً ولا هي رجس من عمل الشيطان يأمرنا الشرع بأن نجتنبه… فالعيب أن تظهر ميولك السياسية وانت مهني محترف … أو أن تطغى السياسة على أدائك المهني… والعيب أن تظل مهنياً محترفاً و يشتمك أطفال في السياسة مازالت حفاظات عوراتهم لما تغادر مكبات النفايات ثم تسكت… حتى لا تخوض في السياسة!! 

       فنحن نحتاج الآن … الآن وبشدة أن نستعيد عافيتنا المهنية …نحتاج الآن .. الآن أن نلتف حول مهنتنا الإنسانية الحبيبة … بعد أن تعرضت لأستهداف واضح كاد أن يعصف بوحدتها وتماسكها وتاريخها العريق وإرثها الباذخ التليد …نحتاج الآن …الآن أن نستعيد عافيتنا المهنية وثقتنا بأنفسنا كمهنة عريقة وكقوة ضابطة ومنضبطة عانت وما زالت تعاني من تدخل أيدي السياسيين العابثة حتى كادت أن تفقدها ملامحها السودانية القسمات …بل وكادت أن تفقدها واجباتها ومهامها الأساسية المنوط بها تنفيذها بحكم الدستور والقانون لتقف مكتوفة الأيادي وهي ترى الوطن يحترق ويدمر بأبدي المخروشين وعملاء السفارات!! …فهيبة السلطة من هيبة الشرطة …ورفع الغطاء الأمني عن الوطن والمواطن بإضعاف الشرطة هو هدف إستراتيجي لقوى الظلام بتفكيك الشرطة وبالتالي تفكيك المجتمع عبر هذه الخطة الخبيثة الماكرة …واسقاط الشرطة وهز ثقتها في نفسها لم يكن …ولن يكون شعاراً ساقطاً ساقه بعض الشماسة والمخروشين في لحظة نشوة مخدرة … كلا … إنه هدف مخطط ومرسوم لتفكيك قوة ظلت صمام الأمن لأكثر من 125 عام هي عمرها المديد وأياديها البضاء الممتدة للبلد كواحدة من أعرق ممسكات الوحدة الوطنية …

*ولماذا الهجوم على عنان الآن ؟؟*

   فما هو الا وزير قد خلت من قبله الوزراء … وما هو الا مدير عام قد خلت من قبله المدراء …

هو شخص يجيئ ويذهب ليجيئ غيره … ولكنه إستهداف لرمزية القيادة …ففي الحروب القديمة كان المحاربون من الجيوش المتحاربة يستهدفون حامل الراية لأنه رمز …فإن خلصوا إليه وسقطت الراية إنهزم الجيش ..

هم يستهدفونه لأنه رفض الهيكلة… وقال بالحرف الواحد أن الشرطة لا تحتاج هيكلة بل تحتاج مالاً لتنفيذ مهامها وواجباتها الوطنية السامية… 

ولذلك يصبح الدفاع عن عنان الآن (فرض عين) على الجميع تستوجبه المرحلة …

والدفاع عن عنان الأن هو دفاع عن رمز وعن إرث مهني باذخ …

والدفاع عن وجود عنان الآن هو دفاع عن وجود مهنة شريفة الواجبات سودانية الملامح إختلفنا مع الرجل أو إتفقنا معه… فهو دفاع عن رمزية ورمز … ومتى سقط الرمز فقدت المهنة كبرياءها وعزتها وشرفها وداست عليها أرجل عملاء السفارات والمتربصين …

وموقفنا هذا ليس مزايدة على الوطن …بل هو موقف مبدئي بعيداً عن (المواقف الرمادية)…صفاً واحد خلف القائد …

هو موقف وطني تمليه علينا أخلاق الفرسان …وتمليه علينا الوطنية الحقة …في زمنٍ أصبحت فيه الوطنية عند الناس (كيس تمباك) … أو (كيلو فراخ )…. أو (سندة ساندوتش طحنية)… بعد أن إنتهي وتلاشي دور (سينما الوطنية)!!

والوطنية التي كانت حاضرةً في مواقفنا كلها ونحن نقارع الداخلية الحجة بالقانون أمام المحاكم لننصرها وهي ظالمة …واليوم نناصرها وهي مظلومة …وقد عُرض علينا أن نحيل ملف دعوانا عليها في قضية ضباط الشرطة المفصولين تعسفاً في فبراير 2020 م إلى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان وما تعرضنا له من أنتهاكات في حق العمل … ولكن إعتذرنا عن تلك الخطوة التي لا تشبهنا… والتي تدين الوطن بانتهاك حقوق الإنسان وتدينه بعدم إحترام أحكام القضاء …رفضنا الخطوة حتى لا نسلم الدليل لأعداء الوطن حتى وإن كان فيه إنتصار لذواتنا الفانية … واليوم أيضاً نرفض أن نسلم الشرطة وقيادتها لأعداء الوطن … فهو موقف مبدئي لا تراجع عنه…

والآن … وبعد أن اتضحت الرؤية في الشروط التي وضعت لحل أزمة مطار مروي في حديث موثوق مرفوع (معنعناً) اكده الأستاذ حسن إسماعيل في تسجيل صوتي شهير بان الحل يكون في إحالة عدد من ضباط الشرطة ضمن خطة لتفكيك الأجهزة الأمنية وإعفاء السيد الفريق أول شرطة عنان حامد من تكليف وزارة الداخلية … نعلن إعادة تمركزنا خلف الوزير … بل أمام الوزير ليس دفاعاً عن شخصه بل دفاعاً عن المهنة وشرفها…

ونصوب أقلامنا مع الداخلية في مواجهة حملة مغرضة وشرسة تستهدف الكيان كله …ودفاعاً وحماية لإرث مهني تليد…

     هي أخلاق الفرسان التي تربينا عليها تلك التي توجب علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا ومواقفنا ومواقعنا…

     فحين يكون المستهدف هو الوطن تسقط كل الخصومات التي هي دونه … 

وحين يكون المستهدف هي المهنة التي ارتضعناها صغارا… وتربينا في باحاتها ونهلنا من خيراتها وخبراتها فأصبحت تشكل كياننا الداخلي ونسيج أجسادنا …خلايا وأعصابا وعروقاً ودماً …وحياتنا…

وحين يكون المستهدف هو الوطن الكبير السودان …والقبيلة الشرطة …لا يكون أمامنا خيار آخر .. …فأي أخلاقٍ تلك التي تجعلك تقاتل اخاك وتقاتل عشيرتك والعدو يتربص بكما ؟؟

ولعل الموقف هذا يذكرني بقصة (قريبتي) التي تطاولت الخصومة بينها وبين شقيقتها سنيناً عددا…خصومة لم تفلح كل المحاولات في إذابة الجليد بينهما…ولما ناداها منادي الحج إلى بيت الله الحرام ذهبت لإختها وقالت لها: يافاطنة أختي أنا ماشى الحج والميتة والحياة مي معروفة لي وللا ليكي …أها كان مت هناك وجاورت العفو العافية …وكان جيت راجعة كمان (حوريبنا) في مكانو !! 

يعني لا فكاك…

 

*عميد شرطة د.شنان محمد الخليل*

الجمعة 12 أبريل 2023 م.

6 ليالٍ بقين من رمضان 1444 هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى