عودة د.حمدوك مطلوبة وبإلحاح أيقونة الثورة السودانية يجب أن يساهم معنا في العبور

بقلم/ بابكر عيسى أحمد
كأنما التاريخ يعيد نفسه -وقع الحافر بالحافر- عندما أنشد العرجي وهو أبو عمر عبدالله بن عمر بن عثمان بن عفان الأموي … منشداً عام 120 هجرية قبل وفاته في السجن الذي قضى فيه تسعه أعوام، على لسان المؤسس الذي كنا وما نزال نترقب عطاءه خيراً وزاداً للسودان وهو الدكتور عبدالله حمدوك:
أَضاعُوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعُوا
لِيَومِ كَريهَةٍ وَسِدادِ ثَغرِ
وَخَلَّوني لِمعتَرَكِ المَنايا
وَقَد شَرَعَت أَسِنَّتُها لِنَحرى
كَأَنّي لَم أَكُن فيهِم وَسِيطاً
وَلا لِي نِسبَةٌ في آل عَمرِو
أُجَرَّرُ في الجَوامِع كُلَّ يَومٍ
أَلا لِلّهِ مَظلَمَتي وَصَبري
عَسى المَلِكُ المُجِيبُ لِمَن دَعاهُ
يُنَجِّيني فَيَعلَمَ كَيفَ شُكري
فَأَجزِىَ بِالكَرامَةِ أَهلَ وُدي
وَأُورِثَ بِالضَغائِنِ أَهلَ وِترى
رغم اختلاف الروايات حول هذه الأبيات التي وردت في “كتاب الأغاني” لأبي الفراج الأصفهاني وما ورد في الشعر والشعراء”لإبن قتيبه وما ذكره الأصمعي عن “كناس بالبصرة” وما أورده “اسحاق الموصلي” في حضرة الرشيد.
أيا كانت صحة هذه الروايات فواسفاه لضياعنا في السودان لرجل بقامة الدكتور عبدالله حمدوك الذي تولى منصب رئيس الوزراء في السودان لفترتين في المرحلة الإنتقالية، وغادر مرفوع الرأس والهامة ليترك منصبه شاغراً حتى الآن لمدة قاربت الأربعة سنوات دون أن نجد رجلاً بقامته يشغل المنصب الذي مازال شاغراً حتى كتابة هذه السطور.
في الخامس من يوليو 2020 كتبت في هذه المساحة مقالاً مطولاً تحت عنوان “د. حمدوك …أيقونة الثورة السودانية” حيث أعلن في مطار الخرطوم عقب وصوله في ذلك التاريخ أنه رغم أنه مرشح تحالف المهنيين وقوى الحرية والتغيير للمنصب إلا أنه سيكون رئيساً للوزراء لكل السودانيين على مختلف مشاربهم وتمنى التوفيق للجميع في مسيرة بناء الوطن.
ومن أبرز أحداث ذلك الزمن صعود د.عبدالله حمدوك منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث كان صعوداً مشرفاً ونبيلاً بعد سنوات من الغياب القسري بسبب ممارسات نظام الإنقاذ الذي كرس عزلة السودان الدولية، واستقبل دكتور حمدوك بالفرح والسرور والترحاب وألقى خطاباً ضافياً حمل الكثير من المعاني والمضامين كما إلتقى بعدد من رؤساء الدول في صدارتهم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر وزار واشنطن حيث بحث مع المسؤولين الأمريكيين إمكانية رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو ما أساء لصورة السودان كثيراً وفرض عليه حصاراً دفع ثمنه أبناء الشعب السوداني وهم يواجهون الفساد والفوضى والحروب المستعرة حتى أصبحنا بلداً متسولاً ومنبوذاً ومحتقراً من الجميع.
تواصلت نجاحات حمدوك حيث بدأ السودان يجد قبولاً واسعاً في العديد من العواصم الدولية كان أبرزها باريس وبرلين وتوج هذا الإنفتاح بالقفزة الكبيرة والمدروسة التي رعتها الجمهورية الألمانية بعقد مؤتمر شركاء السودان.
حضر ذلك المؤتمر -الذي وصف بأنه غير مسبوق- رؤساء كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، وقال د. حمدوك أنه لم يسبق له أن رأى مؤتمراً تتم فيه الدعوة ل40 دولة ومؤسسة ويكون الحضور كاملاً، للتأسيس لشراكة متبادلة متكافئة تلبي طموحات الشعب السوداني.
في الرابع من يوليو عام 2021 كتبت عن المبادرة الجسورة والشجاعة التي طرحها دولة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تحت عنوان “المبادرة السودانية … الطريق إلى الأمام” والتي أكدت أن الطريق لبناء الدولة المدنية الديمقراطية يستوجب تسوية سياسية شاملة تشمل توحيد الجبهة المدنية والمؤسسة العسكرية و”ايجاد رؤية” مشتركة لإنجاح المرحلة الإنتقالية التي عادة ما توصف بالهشاشة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تنهض على قاعدة المواطنة المتساوية.
وأشار د.حمدوك إلى أسس التسوية السياسية الشاملة التي لخصها في توحيد الكتلة الإنتقالية والشروع مباشرة وعبر جدول زمني متفق عليه إلى عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية للإصلاح الشامل وبما يعبر عن تنوع السودان الفريد وتوحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مشتركة والإتفاق على ألية موحدة للسياسة الخارجية والإلتزام بتنفيذ اتفاقيه السلام واستكمالها كقضية رئيسية من قضايا الإنتقال وتقوية وتوجه الحكومة والدولة الذي يقوم على الإنتاج المحلي وحماية الفقراء والمستضعفين والتعاون مع المؤسسات الدولية.
لعل من أهم ما أشار إليه د.حمدوك هو الإلتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن وبناء دولة مؤسسات وطنية ومستقلة كأساس لأي تسوية سياسية تبعد شبح الأزمة وتفتح الطريق نحو الإنتقال الديمقراطي والمتمثلة في إصلاح القطاع الأمني والعسكري ومعالجة قضايا العدالة بإعتبارها إحدى أركان ثورة ديسمبر وشعاراتها وعدم الإفلات من العقاب.
قوى داخلية عديدة وخارجية مجاورة لم تكن تريد لتلك الرؤية التي تمثل للشعب السوداني الناضل ضوءاً في آخر النفق أن تنجح أو أن تتحقق، وجرى استهداف ممنهج للمؤسس حمدوك داخليًا بإتهامه زوراً بخيانة مبادئ الثورة من قبل الفلول وأعداء الثورة وخارجياً من خلال الإملاءات المباشرة وغير المباشرة.
نحن الآن في هذا المنعطف الحرج أحوج ما نكون إلى عودة المؤسس د.عبدالله حمدوك ليتولى رئاسة الحكومة من جديد بإعتباره شخصية كارزمية نقية وطاهرة تحظى بالقبول لدى عقلاء السودان وهم قله، كما أن الشارع الثائر اكتشف مؤخراً الخديعة وخرج يهتف بعودة المؤسس حمدوك.
قوة إقليمية نافذة في مفاصل الدولة السودانية استهدفت الرجل بصورة شخصية لما يحظى به من قبول لدى المجتمع الدولي ومنظمات التمويل العالمية وهي ذات القوى التي لها امتدادات داخلية ولها القدرة على الإملاء على أراجوزات الساحة السياسية.
من هذا المنبر ومنابر أخرى عديدة أعتقد أنها تتفق معي بضرورة عودة المؤسس عبدالله حمدوك للإطلاع بالدور التاريخي الذي هيأته له الظروف وندعوه بقلوب صادقة ومملوءة بالحب والرجاء أن يعود إلى أرض الوطن ليساهم معنا جميعاً للعبور من هذا الغيهب.