البعثة الدائمة لجمهورية السودان لدى الأمم المتحدة- نيويورك إحاطة مجلس الأمن عن تطورات الأوضاع في السودان

السفير/ الحارث إدريس الحارث محمد
المندوب الدائم لجمهورية السودان لدى الأمم المتحدة
نيويورك:25أبريل 2023م
شكراً السيد الرئيس،،،
أتقدم إليكم بالتهنئة الحارة على تولي بلادكم لرئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، ونشيد بالبراعة التي اتسمت بها إدارتكم لأجندة المجلس خلال شهر أبريل.
السيدات والسادة،،
سياق الأحداث:
أسمحوا لي أن أضعكم في السياق الصحيح للأحداث التي تجري في السودان؛ بناء على الموقف الرسمي لحكومة السودان، إن هذه الأحداث المؤسفة التي بدأت في 15 أبريل الماضي نتجت عن تمرد قوات الدعم السريع على القوات المسلحة السودانية في عدد من المواقع بالعاصمة وبعض المدن الأخرى في محاولة للإستيلاء على السلطة بإنقلاب عسكري، وذلك عبر هجمات منسقة بادرت بها القوات المتمردة على مقر سكن رئيس مجلس السيادة الانتقالي وعلى مقر القيادة العامة للجيش السوداني، ومطار الخرطوم الدولي ومنشآت أخرى حيوية واستراتيجية. حدث ذلك الهجوم في نفس يوم الاجتماع المقرر بين السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش، وقائد قوات الدعم السريع المتمردة، وهو اجتماع كان يهدف لمناقشة الترتيبات الفنية لعملية الإدماج الكامل لقوات الدعم السريع في الجيش السوداني، على النحو الذي يضمن بناء جيش وطني واحد يتسم بالاحترافية ووحدة القيادة والإمرة والسيطرة،وتعزيز عقيدته العسكرية وفقاً للتقاليد المهنية الراسخة للجيش السوداني والتي تراكمت عبر أكثر من قرن من الزمان ، المعروف بالاحترافية والتوجيه المعنوي والانضباط المهني.
ردة فعل القوات المسلحة السودانية في التعامل مع الأحداث:
إزاء هذا التمرد، وانطلاقاً من واجبها الدستوري والوطني والأخلاقي لحماية الأمن القومي للبلاد وتأمين سلامة أراضيها وسيادتها واستقرارها، تقوم القوات المسلحة بالدفاع عن الوضع القائم الذي أفرزته الثورة في السياق الإنتقالي والمعترف به دولياً وإقليمياً وحماية سيادة الدولة، ويتم التعامل مع هذا التمرد بما يضمن إعادة الأمور إلى نصابها ويكفل سلامة المدنيين وأمن واستقرار البلاد ووقف إزدواجية المظهر العسكري والأمني، والمعروف أن الدولة الحديثة تتوحد فيها القوات المسلحة تحت كيان حكومي ودستوري واحد هو الجيش النظامي. إن القوات المسلحة السودانية إذ تقوم بذلك فإنها التزمت بإستراتيجية قتالية تهدف لتقليل الخسائر وسط المدنيين والممتلكات الخاصة والعامة،وذلك من أجل إنهاء سيطرة الوحدات المتفلتة من الدعم السريع على المواقع الحكومية والمنازل والمباني الخاصة التي سيطروا أو استولوا عليها.
لقد أصدر السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة قراراً بحل الدعم السريع وإعلانه قوة متمردة على الدولة، كما تم الإعلان عن دمج بعض وحداته مثل حرس الحدود في القوات المسلحة، ولا يزال الباب مفتوحاً لعناصر وأفراد القوة المتمردة لإلقاء السلاح والإندماج في الجيش السوداني وفقاً للشروط المعروفة في هذه الحالات.
الهدنة واستجابة الحكومة للوضع الإنساني:
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،،،
للتعامل مع الإفرازات الناجمة عن هذه الأزمة، فقد استجابت القيادة السودانية لمناشدة الأمين العام للأمم المتحدة للالتزام بهدنة مدتها ثلاثة أيام تماشياً مع روحانية شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، وذلك لضمان المرور والإخلاء الآمن للمدنيين والبعثات الدبلوماسية والموظفين العاملين بالمنظمات الإقليمية والدولية وإجلاء الجرحى والعالقين. وقد التزمت القوات المسلحة السودانية بالهدنة رغم الخروقات من الطرف الآخر، حيث ظلت وزارة الخارجية تتلقى، ومنذ اول يوم في المواجهات وخلال فترة الهدنة، العديد من البلاغات من البعثات الدبلوماسية ومنظمات الامم المتحدة والمنظمات الأخرى المعتمدة لدي جمهورية السودان تفيد بتعرض مقارها وسكن منسوبيها الي الاقتحام والتعدي وترويع السفراء والدبلوماسيين والموظفين من قِبل قوات الدعم السريع المتمردة، وذلك في أعمال تتنافى مع الأعراف والقانون الدولي الإنساني.
ضمان سلامة البعثات والمنظمات المعتمدة وتسهيل جهود الإخلاء:
السيد الرئيس،،،
حرصاً من وزارة الخارجية السودانية على أمن وسلامة هذه البعثات الدبلوماسية، واتساقاً مع واجبها المناط بها، فقد قامت على الفور بإبلاغ جهات الاختصاص بالدولة بهذه التعديات، والتي بدورها سارعت الى تعزيز الحراسات على هذه المقار الدبلوماسية في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، إلا ان التحركات التي تقوم بها القوات المتمردة عبر تعدياتها بالأسلحة المتنوعة وسط الاحياء السكنية والأماكن المدنية والاعتداء على المواطنين ونهب وسلب ممتلكاتهم قد شكلت، ولا تزال تشكل، تهديداً مستمراً للأمن والسلامة العامة بشكل عام، ووضعت مقار وموظفي البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية والاقليمية في خطر محدق.
كذلك تقوم هذه القوات المتمردة على مقار سلطات إنفاذ القانون وإطلاق سراح نزلاء السجون والمحتجزين، وبعضهم محكوم عليه في جرائم خطيرة مثل الإرهاب والإتجار بالبشر والقتل، بما يشكل تهديداً للأمن العام ويوضح حالة عدم الانضباط التي وصلت لها وفقدانها للقيادة والسيطرة.
فإننا ندعو جميع الدول المحبة لأمن واستقرار وسلام السودان لإدانة هذه القوات المتمردة بسبب انتشارها واستمرارها في القتال في المدن والمناطق السكنية الآهلة، الأمر الذي يؤدي إلى تعريض المدنيين بما فيهم النساء والأطفال للخطر.
ونفيد بأن السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش ، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، كان قد تلقى اتصالات من رؤساء عدد من الدول لطلب تسهيل وضمان تأمين إجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية من البلاد، وقد وافق سيادته على تقديم المساعدة اللازمة لتأمين ذلك لمختلف الدول، حيث قامت عدد من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الراغبة بعملية الإجلاء المطلوبة للمئات من منسوبيها، وقد تعاونت معها السلطات السودانية عبر منح التصاريح اللازمة وتأمين الرعايا المراد إجلائهم وتوفير الرعاية والحماية لهم حتى وصولهم إلى مدن ومناطق أخرى أكثر أمناً داخل السودان أو نقلهم جواً إلى خارج البلاد، وهو ما أشاد به الأمين العام للأمم المتحدة في تصريحات منسوبة له يوم أمس الإثنين أن عملية الإجلاء لم تشهد أي حادث. ونشير إلى أن عمليات الإخلاء الناجحة التي تم تنسيقها بواسطة القوات شملت الدول التالية :
المملكة العربية السعودية، الولايات المتحدة الأمريكية ، الصين، اليابان، الأردن، مصر، الكويت، قطر، اسبانيا ، ايطاليا، المملكة المتحدة، المانيا، بنغلاديش، ليبيا، باكستان، فرنسا، ماليزيا، اندونيسيا، سنغافورة، لبنان، كندا، هولندا، جيبوتي، الهند، كوريا الجنوبية، المجر، الدنمارك، بلجيكا، تونس، سويسرا، النمسا، المغرب و الجزائر.
كما تم إجلاء بعض رعايا الأرجنتين، كولومبيا، ايرلندا، البرتغال، فنزويلا، المكسيك، تركيا، فلسطين، العراق وسوريا المقيمين. بينما يستعد مواطنو نيجيريا، غانا وكينيا، لمغادرة السودان. وإن عملية الإجلاء بلغت مستوى الدولية شاهدة لكفاءة القوات المسلحة السودانية في الإشراف على سير العمليات تحت وطأة المهددات الأمنية.
آفاق معالجة النزاع في الإطار الإقليمي ورفض التدخلات السالبة:
السيدات والسادة،،،
إننا إذ نعرب عن تقديرنا لجهود الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الإقليمية الرامية للمساعدة في تهدئة الأحوال في البلاد، لا سيما مساعي الإيقاد والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية. نود أن نؤكد على أن هذا الأمر هو شأن داخلي ينبغي أن يُترك للسودانيين لإيجاد الحلول المطلوبة فيما بينهم بعيداً عن التدخلات الدولية السالبة، لذلك نشعر بالقلق الشديد من إصرار بعض أعضاء مجلس الأمن على تحريك سلسلة لإجتماعات المجلس في صيغة غير ضرورية خدمةً لأجندات وطنية تخص هذه البلدان ولا علاقة لها بمصالح الشعب السوداني.
إن السودان لن يقبل الضغوط السالبة التي تمارسها بعض الدول من أعضاء هذا المجلس، فقد دعا الإتحاد الأفريقي، وهو المنظمة التي تمثل القارة الأفريقية، بوضوح إلى عدم التدخل الخارجي في هذا الشأن الداخلي، ويعمل السودان بشكل وثيق مع الإيقاد والإتحاد الأفريقي لتفعيل المساعي الحميدة عندما تسمح الأحوال في مطار الخرطوم، الذي تضرر نتيجة لهجمات متكررة عليه تشنها القوات المتمردة.
إن السودان يؤمن بمبدأ “الحلول الأفريقية للتحديات الأفريقية”، وهو المبدأ الذي يتماشى مع الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، ويتوجب على مجلس الأمن أن يصون هذه النصوص من الميثاق ويحترم النطاق الإقليمي السيادي للمنظمات الإقليمية، ويمنح السودان ودول جواره الإقليمي الريادة في التعاطي مع الأوضاع الراهنة.
السودان والأمين العام:
أن السودان مرتبط بشكل إيجابي وعلى أعلى المستويات بالدور الذي يضطلع به الأمين العام متمثلاً في المساعي الحميدة من منطلق نزاهته وحيدته وخبرته السياسية المتميزة في عقد صفقات السلام عند نشوب النزاعات المسلحة. وأدعو المجلس أن ينتهج نهجه المتمثل في دراسة الأسباب الكامنة وراء نشوب النزاعات وفاء لطلب المؤسسين الأوائل للأمم المتحدة. وفي هذا السياق أن السودان ملتزم بإنفاذ مسار الانتقال السياسي والتمسك بالحوار والالتزام بوقف الأعمال العدائية والاستجابة الإيجابية لمساعي الوساطة الاقليمية. ولذلك نأمل أن يتم الموائمة لدور مجلس الأمن بحيث لا تشكل مدخلاته إعاقة لمساعي الأمين العام الحميدة.
السيد الرئيس،
لقد ظل السودان موضوعاً في أجندة مجلس الأمن طوال الثمانية عشر عاماً الماضية، وبذلنا جهداً جهيداً أن يتم الارتباط بالمجلس بشكل أكثر ايجابية من ذي قبل بما في ذلك حضور اجتماعات المحكمة الجنائية الدولية، وكانت مقاطعة. وسعينا في تقليص وضعية السودان ضمن الفصل السابع بإنهاء العقوبات. الحكمة الأممية تقتضي ألا يضام السودان بمزيد من القرارات.
ولذلك أناشد المجلس بالحرص على استمرارية التعاطي الايجابي للسودان مع مكوناته مع إيضاح ما يدور في السودان وفق مدخل راشد تبرز سردياته قضية السودان وهو لا يزال قيد الاندراج المستمر، والأسر المتطاول أنه يملك القدرة على الإقناع للدفاع عن مصالحه الوطنية من واقع التكيف مع ديناميكية المجلس ووضعيته المنشطرة الراهنة، حيث خاطبناكم بعدم جدوى القطيعة التي فرضت عقب 25 أكتوبر 2021م، ونشكر أن المنظومة الدولية بدأت بالتعاطي الايجابي مع السودان، فالواجب أن نعمل على احتواء الأوضاع الراهنة بإعطاء السودان الفرصة للتعامل مع المساعي الإقليمية مثل منظمة الإيقاد والإتحاد الأفريقي والجامعة العربية في سعيهم إلى المساهمة في إيجاد حل للنزاع القائم. أرجو أن أشير إلى أن السودان وفي خضم التداعيات التي انهالت عليه وشدة الوطأة ومواقف بعض الدول أفلح في الحصول على 157 من أصل 195 صوتاً في انتخابات مجلس حقوق الإنسان ما يعني انتهاء القطيعة الدولية فعلياً.
أناشد المجلس بإحداث التوازن بين وضعية السودان الحالية والتي لا يمكن وصفها بالحرب الأهلية ولا بالعدائيات الواسعة النطاق وأن يعتبر التزامه بالهدنة الإنسانية المتجددة والممددة مع التزام القوات المسلحة بإدارة عمليات الإخلاء لكل طواقم الدبلوماسيين المعتمدين والموظفين الدوليين التابعين للأمم المتحدة وبين مسؤولية مجلس الأمن الأممية المعروفة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وينوب عنه في تلك الحالة مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الأفريقي ومنظمة إيقاد ولها أيضاً مدخلاتها الخاصة بحل النزاعات، وفق ما نص عليه الميثاق من دور للمنظمات الإقليمية في هذا المجال، لاسيما اعتماد الإتحاد الأفريقي لمبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية.
وينبغي إعطاء السودان الفرصة في تجديد الأمل بالتعاون مع الوسائط الإقليمية حتى لا يدفع السودان للتعاطي مع مهددات أمنه القومي الطارئة في قطيعة تسعى بعض الأطراف لفرضها وهو يُفضّل الارتباط التفاعلي والإيجابي مع المحفل ألأممي وهذا أيضاً يعزز مقدرة السودان على التكيف والتواؤم حتى في أحلك الظروف.
ما كانت الأحداث الحالية لتقع لو وفى المجتمع الدولي بتعهداته في توفير الدعم المالي لإنجاز عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في دارفور، إذ ستوفر مثالاً عملياً للإقتداء به.
أن قصوراً رؤيوياً قد لازم عملية بناء السلام وكانت هناك جهات تريد إقحام عملية الإدماج بمدخلات بعيدة عن إشراك القوات المسلحة بموجب مبدأ الملكية الوطنية لإيجاد مدخلاتها المستقاة من تراث الجيش السوداني ومساهماته المعروفة في عمليات حفظ السلام منذ الستينات ضمن بعثات الأمم المتحدة.
الوضع الإنساني:
تأثر الوضع الإنساني في بعض مدن السودان بسبب الاشتباكات. أدت هذه الاشتباكات إلى انتقال عدد كبير من المدنيين من مناطقهم إلى مدن ومناطق أخرى داخل السودان أكثر أمناً، وقد أفرزت الاشتباكات تدهوراً في الظروف المعيشية بشكل عام، حيث تعاني المناطق المتأثرة من شحّ في الموارد الغذائية وانعدام الأمان بسبب تعديات القوات المتمردة ونقص في الرعاية الصحية والكهرباء المياه الصالحة للشرب.
حالياً، ومع التزام الحكومة بهدنة مدتها ثلاثة أيام أخرى، تعمل السلطات المختصة في السودان بجهود حثيثة للتصدي لتحسين الوضع الإنساني عبر توفير المساعدات للمتضررين وإعادة وتحسين الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه الصالحة للشرب وتعزيز الأمن. في هذه السانحة، أود ان أشكر الدول الصديقة والشقيقة التي بادرت بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوداني عبر التواصل الثنائي مع الجهات السودانية المختصة.
ختاماً السيد الرئيس،
لست بحاجة إلى دليل مادي لإثبات فداحة الخسائر والمعاناة التي أسفر عنها التمرد مع تبعاته الوخيمة، وبالرغم من ذلك فإن السودان لا يزال دولة قائمة متماسكة الوحدات تضطلع بمهامها بشكل مسؤول وانه لم يعلن عن حالة الطوارئ بالبلاد ولم تسفر الاحداث عن وضعية متعديه اقليمياً.
وسوفى يقهر السودان هذه الظروف القاسية إذ من المؤمل أن ينحسر التفلت الناجم عن التمرد. ولذلك نناشد المجلس بتفهم الوضع الاستثنائي الطارئ الذي يستوجب إعطاء السودان الوقت والصبر على ذلك من أجل ابتكار الفرص المواتية لإحراز تقدم إيجابي يعيد السودان إلى وضعية أفضل ويجدد الأمل في إنعاش مطلوبات الثورة حرية – سلام – وعدالة.