رؤي واصله عباس تكتب (حاجة محاسن) .. عندما تمنحك جنسية ولاية الجزيرة وتُنسيك النزوح.
منذ أن دقت تلك الحرب المشئومة طبولها ، وإرتفعت صافرات إنذارها ، وعلت طبولها ، وحمي الوطيس ، وكثر الردي، وفُجعت القلوب بمن نهوي ، وتلبسنا لباس الخوف والجوع ، وبعدنا عن الذين آمنهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، ظللت ونفر كريم من الخرطوم الذي ماتضعضع إيمانهم ، ولا لانت عريكتهم ، أوقل اليقين والإيمان في نفوسهم ، بل بقوا في صمود يتحدي دوي الدانات وقصفها ، وأزيز الطائرات وحريقها ، بل ربطوا علي بطونهم من ملذات كانت يوما في طعامهم ، وأرتضو لنفسهم التقشف في معاشهم ، ورضوا بكسرات يقينا صلبهم ، تبقيهم علي حياة يحفها الموت من كل حدب وصوب ، كنت ورغم قناعتي الراسخة ورفضي القاطع للخروج من أتون معركة التي تدور رحاها فوق روؤسنا ، ولكننا آثرنا أن نكون من طين مدينتنا هذه لانخرج عنها ، ولانتركها تحت وطأة النيران تحترق وحدها ، ظللتُ علي هذا الحال رغم النداءات المتكررة من الأخوان والأصدقاء والمعارفبضرورة الخروج من جحيم الحرب كما أسموها ، ولكنا ظللنا علي ذات الثبات ستون يوما ، ولساننا يكثر من حسبي الله ونعم الوكيل ، ولكن لم تصمد قناعتي أكثر من الستين يوما ، لأصبح مرغمة أن أًدير ظهري الي مدينتي وأهلي وعشيرتي وبيتي ، وأزقة مدينتي ، وكانت وجهتي الي مدينة ود مدني يتكئ علي كتفي وجع أخي وألمه وقد عيل صبره علي إحتمال الألم وإنعدام العلاج لآكثر من عشر جلسات للغسيل الكلوي مما فاقم وجعه ، وببصحبتنا شقيقتي التي أبعدتها الحرب عنا قسرا وظللنا في مدينة واحدة ولكن دوي المدافع ، وأصوات الرصاص حرمتنا من اللقاء لأكثر من خمسين يوما ، تفرقت فيها أسرتي ، وجاء العيد ولم يوقع إخوتي علي دفتر التهاني فالكل غائب ولهذا حضر العيد ولم تحضر معه معالمه وإحتفالاته ، فجاء الحزن والقلق والخوف وأصوات الرصاص والمدافع تصم آذاننا بدلا من تكبيراته ، وتبريكاته.
حضرت الي مدينة ( ود مدني) حيث ديار صديقتي ورفيقتي في درب الإنسانية والعمل التطوعي ، أحمل قلقي وخوفي علي من تركتهم خلفي ، وأحمل آمالي بأن تدب العافية في بدن أخي ونعود أكثر صحة وسلامة تنسيه ويلات الألم ، وحرمانه من الدواء والعلاج .
منذ حضوري قابلتني ( حاجة محاسن )، إمرأة ذكرتني بأمهاتي (بنات حامد ) ذات الشلوخ التي تذكرك بنساء الزمن الجميل حيث نقاء السيرة والسريرة ، وذات الملامح أعادتني الي (حوش حامد) ، دبت معالم الحياة في نفوسي الظامئة للامان ، ونثرت علي دواخلنا الكليمة والمجروحة جراء الحرب اللعينة ، ذرات المحنة الصادقة ، أستقبلتني (أم أسامة وعوض ) فكان الإبتسام والعوض عن كل معاناتنا ، منحتني (أم حنان وزهُرة ) جنسية ولاية الجزيرة ، ولم ينتابني يوما شعور النزوح ، فكانت جلسات الشاي الصباحي ، تعيد الي ذاكرتي شاي أمي حليمة بت حامد ( رحمة الله تغشاها ) ، أمسكت بي حين ودع أخي حامد الفانية ، جاتني مهرولة باكية ونائحة ، وضمتني اليها ،فكانت رائحة أمهاتي (حليمة و عائشة وفاطمة ودارالسلام) فيها ،حتي أنني بكيت معها ، كأنما أبكي مع أم تبكي أبنها ، فكان حامد حقاً أبنها ، وحينما سألتني أختي جزعة لحالي عن من الذي قام بإحتوائي ، فتراءت صورة (حاجة محاسن أم وفاء وإخلاص) أمام ناظري .
شكرا (حاجة محاسن ) ، واسرة السلاوي وحفيداتها الجميلات وأنتم تعينوني علي مصابي وتضمدن جرحي.
رؤي أخيرة
شكررررا لأنكم في حياتي