أعمدة الرأي

عبدالعظيم صالح يكتب ضيف علي السعودية

 

أمضيت قرابة ربع قرن من الزمان في بلاط صاحبة الجلالة كتبت خلال هذه الرحلة الطويلة الكثير من القصص الصحفية في شتي القوالب المعروفة ..قصص أغلبها يدور حول الناس والحياة وتقلباتها ..أفراحها واتراحها..قابلت وحاورت أناس في ظروف صعبة .. أغوص في التفصيلات..والعمق..والتفاصيل ..الصغيرة..والكبيرة منها.. وفي نهاية المطاف أدفع بها للمطبعة..وفي النفس شئ من الزهو ونرجسية يعرفها زملاء المهنة..هي ليست ضارة ولكنها من المحفزات لمزيد من العمل الدؤؤب الذي لا ينتهي ولا يفتر..ألم يقل علماء الاتصال (الاعلام عملية حلزونية مستمرة لا يمكن ارجاعها او تكرارها….؟؟

هذه المرة وجدت نفسي في ذات ذخانة من كتبت عنهم ذات يوم ونقلت بعض من آلامهم في سطور أزعم بأنها كافية لتسليط الضوء علي ما يشعرون به..

قصتي تستحق ان تروي..هي قصة كل السودانييين هذه الأيام..ولكنها علي لسان من كان يسمع ويحاور ضحايا الحروب والنازحين والعالقين علي ارصفة المواني وبوابات المطارات وفضاءات المدن يبقي لها طعم ومذاق خاص..

خرجت من مطار الخرطوم مسافرا ومعتمرا وناويا العودة بعد ايام ..خرجت والخرطوم تنتعش بنسمات الصباح مخلوطة برزاز النيل وزقزقة العصافير وهي تطير في المدينه الاكثر امانا وهدوء وسكينه بين رصيفاتها من العواصم والمدن الكبيره…

اسبوع بعد خروجي وقد تغير كل شي ..زمجرت المدافع والدانات والرصاص والدموع والقتل والتشريد والموت المجاني وهدم كل شي في لوثة وجنون وحقد وتعدي سافر لا يعرفه تاريخ هذه المدينه منذ ان اختارها عثمان بك الحاكم التركي بعد ان سحره جمالها وهي بعد (قرية طفلة)تنسدل ضفائرها وتتكي علي خدر النيلين ابيضها وازرقها..

اسبوع فقط وتحولت كغيري من ملايين السودانيين الي نازحين ولاجئين وعالقين كل منا تحول لقصه وحكاية و(مائة ليلة وليلة)تستحق ان تحكي وتسمع.  

هل استباح الغزاة بيتنا (بيت عواطف)شريكة حياتي التي رحلت عن هذه الفانية قبل عامين كانت توصينا عندما تغادر البيت (اسقوا الاصايص)..واشجار الشارع و(النيمه)عليك الله..عايزه لما ارجع القي اي حاجه في مكانها..

رحمك الله لقد استباحوا المدينة..دمروا..وقتلوا واغتصبوا ونهبوا واستباحوا. وحرقوا فعلوا كل موبقات مخالفة للانسانية ..لم تسلم الجامعات والمدارس والمساجد والكنائس والمتاحف والمسارح والاشجار والعصافير والاجساد والارواح والتاريخ .مرقوا عزة وكرامة وطن..فماذا هناك بعد ذلك…؟..

تلك القصة..و اضحة الملامح من هول المفاجأة..وخففها وجودنا في أطهر بقاع الأرض.. ارض الحرمين الشريفين..اختلف حال كل عالق سوداني هنا عن غيره من السودانيين الذين تقطعت بهم الأسباب في بلدان أخري..فقد صدرت الاوامر الملكية بتحويل تأشيرات العمرة الي زيارة باجراءات ميسرة واليكترونية جمعت بين كرم وضيافة وحسن تعامل طالما وجدناه من المملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا في كل العهود وانطلاقا من مسؤوليتها ودورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي والدولي أيضا…

هي ضيافة خففت الكثير ومكنتنا أيضا من الوقوف علي حركة التطور والتقدم المذهل هنا في كل المجالات بخطي كبيرة وواثقة وفق رؤيه ثاقبه..

ضيافة لا تقتصر علي تسهيل امر العالقين والذين تقطعت بهم الأسباب ولكنها تذهب اكثر من ذلك بالذهاب لتبني المملكة العربية السعودية لمبادرة جدة التي تسعي لايقاف الحرب اللعينة وفتح مسارات انسانية لإنقاذ الشعب السوداني الذي يفترش الان الأرض ويلتحف السماء

شكرا السعودية ملكا وولي عهد وحكومة وشعبا علي حسن الاستضافة والكرم العربي الأصيل

 

زر الذهاب إلى الأعلى