حــدود المنطق أسماعيل جبريل تيسو يكتب وماذا إذا جاء السلام بيد الكباشي؟
انشغل بال وسائط التواصل الاجتماعي، والمواقع الإسفيرية بتسريبات عن لقاء سري تم في العاصمة البحرينية المنامة بين الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، ونائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وبين نائب القائد العام لميليشيا الدعم السريع المتمردة عبد الرحيم دقلو، واللقاء وفقاً للتسريبات جاء بغرض التفاوض للتوصل إلى سلام ينهي حالة الحرب التي تضرب البلاد منذ منتصف أبريل من العام الماضي.
وبعيداً عن حقيقة هذه التسريبات صحيحةً كانت أو مفبركة، فإنه لا غضاضة في أن يتم التباحث والتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق سلام ينهي هذه الأزمة التي قضت على الأخضر واليابس وأوردت البلاد مورد الهلاك، واشفقنا على ألا يكون لنا في الغد وطن، فقيام الفريق شمس الدين بهذه الخطوة أو غيره من قيادة الدولة لا يخصم من رصيد الجيش في ظل الشروط المعروفة التي طرحتها الحكومة للتوصل إلى سلام مع الميليشيا المتمردة وتشهد عليها طاولة التفاوض في منبر جدة.
فلماذا أرجفت النُفوس وأَوجفت هَلَعاً وَهاجَت وَماجَت البلاد، لمجرد أن تسريبات تحدثت عن تصدي الفريق شمس الدين كباشي لهذه المهمة الوطنية وتحركه للبحث عن السلام واستعادة عافية الأمن والأمان والحفاظ على ما تبقى من جسد السودان؟ هل التوصل إلى السلام مرهون بشخصيةٍ ما دون الآخرين؟ وهل هنالك من يزايد على شخصية الفريق شمس الدين ومواقفه الوطنية الشجاعة؟ أم أن الخطوة تصب في خانة المحاولات المتكررة ببث سموم الشائعات والحرص مع سبق الإصرار والترصد على اغتيال شخصية الرجل وإبعاده عن المشهد؟
سهام النقد اللاذع التي وُجهت إلى صدر الفريق الكباشي على خلفية تسريبات لقاء المنامة، تذكرني بحملة الرفض التي تم بموجبها إجهاض مبادرة السلام الموقعة في العام ١٩٨٨م بالعاصمة الأثيوبية إديس أبابا بين السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي ودكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، حيث قامت الدنيا ولم تقعد بعد الإعلان عن هذه المبادرة، التي كانت تستهدف تحقيق سلام عادل شامل يبلور استقراراً وتعايش ووحدة يرفل تحت ظلالها السودان، ولكن هيهات،، ليأتي جون قرنق نفسه ويوقع بعد ١٧ عاماً اتفاق سلام مع حكومة المؤتمر الوطني بقيادة عمر البشير تم بموجبه شطر السودان إلى نصفين، فلم ينعم الشمال أو الجنوب بالاستقرار المنشود.
ولنفترض أن الفريق شمس الدين كباشي التقى في المنامة بنائب قائد ميليشيا الدعم السريع المتمردة عبد الرحيم دقلو، فهل نتصور أن يتم مثل هذا اللقاء الخطير بدون علم رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان؟ قطعاً سيكون البرهان على علم بهذه المبادرة، وستكون أجهزة الدولة على علم بهذه الخطوة، ولن يفعلها شمس الدين إلا بمباركة قيادة الجيش ورئاسة الدولة، هكذا تقول التراتبية العسكرية واللوائح المؤسسية.
إن الحرب التي تطاول أمدها ودخلت شهرها العاشر، تحتاج إلى وقفة لقراءة تداعياتها الأمنية والإنسانية والاقتصادية، في ظل إعلان الأمم المتحدة عن مقتل ما يزيد عن ١٢ ألف قتيل حتى ديسمبر الماضي ونزوح نحو 7,1 مليون شخص، لتكون هذه الحرب بحسب وصف المنظمة الأممية بـ”أكبر أزمة نزوح في العالم”، وبالتالي فإن ضمير المنطق يملي على المسؤولين في الدولة البحث عن حلول لإيقاف نزيف هذه الحرب، في ظل قتامة الرؤيا بشأن وجود ضوء في آخر النفق بإمكانية انتهاء هذه الحرب، رغم تقدم الجيش وتراجع الميليشيا المتمردة على صعيد المعارك الميدانية، ولكن اتساع دائرة الحرب يقتل الأمل بإمكانية انتهائها قريباً، وبالتالي لابد من البحث عن حلول سياسية في ظل بطء الحلول العسكرية.
قطعاً ما اقترفته أيادي ميليشيا الدعم السريع في حق المواطنين السودانيين من فظائع وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، تجعل وجود هذه الميليشيا ومن عاونها من قوى سياسية في المشهد السوداني، منطقاً لا يقبله عقل، وضرباً من المستحيل، ولعل الهجوم الضاري الذي حاول النيل من الفريق شمس الدين كباشي على خلفيه تسريبات لقاءه بعبد الرحيم دقلو، ينطلق من هذه المواقف الرافضة لوجود ميليشيا الدعم السريع في المشهد السوداني بعد ارتكابها لهذه الجرائم والفظائع الدموية الصادمة.
قناعتي الشخصية تقول إن أي تحرك حكومي للتفاوض مع هذه الميليشيا المتمردة سيستصحب هذه الفظائع المُرتكَبة في حق الشعب السوداني، ولكن في المقابل فإن التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب تحتاج إلى تنازلات وفواتير ينبغي أن تُدفع مهراً للأمن وتحقيق السلام، ودونكم ما حدث في رواندا، وكيف كان الغفران والتسامح والمصالحة أساساً متيناً قام عليه بنيان دولة مازالت تبهر العالم بتطورها الاقتصادي، وتماسكها الاجتماعي، بعد أن نجحت مبادرات المصالحة الوطنية والتسامح وخطط الإصلاح في إنهاء خطر الحرب والقضاء على تداعياتها المرهقة من تقتيل وتدمير وتشريد، إننا مع السلام القوي الذي يحفظ كرامة الوطن ومواطنيه، ولا أشك لحظة في أن قيادة الجيش ممثلةً في الفريق شمس الدين كباشي بمواصفاته وصفاته يمكن أن تفوت عليه مثل هذه الثوابت،
فما لكم كيف تحكمون.