حـدود المنطق..أسماعيل جبريل تيسو يكتب شركة الموارد المعدنية،، تقييم أداء وقيمة عطاء
تقييم وتقويم مسيرة الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، هو ” البونط العريض ” الذي اختارته الإدارة العليا ليكون عنواناً لتنظيم ورشة عمل متخصصة ومهنية تعتزم شركة الموارد المعدنية عقدها بمدينة بورتسودان التي اتخذتها مقراً لها منذ منتصف مايو من العام الماضي عقب اندلاع الحرب وانتقال معظم مؤسسات الدولة إلى ساحل البحر الأحمر لاستنشاق هواءٍ معافىً من بارود، يساعد على روح عطاءٍ بلا حدود، وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً.
تقييم وتقويم مسيرة الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، فكرة ذكية من حيث اختيار التوقيت في بدايات العام، ومن حيث قراءة معطيات الواقع والتعقيدات الأمنية التي تفرض نفسها على البلاد منذ منتصف أبريل من العام الماضي، وانعكاس ذلك من حيث المخاطر والتداعيات على أداء الشركة وتأثيراته على الاضطلاع بدورها كذراع حكومي معني بمهمة الرقابة والإشراف على قطاع المعادن في السودان وبلورة رؤية الدولة بتحقيق صناعة تعدينية آمنة ومتطورة، ترفد خزينة البلاد وتنهض بمسيرة الاقتصاد.
ولما كان التقييم يعتمد على ثلاثة أضلاع رئيسة هي النقد والتوقيت والمخاطر، فقد مارست الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة نقداً ذاتياً منذ انتقالها إلى بورتسودان من خلال تنفيذ ورشتي عمل متخصصتين، تناولت الأولى (واقع التعدين وأفاق المستقبل بإقليم النيل الأزرق) والتي عُقدت بمدينة الدمازين، فيما تناولت الورشة الثانية والتي عُقدت بمدينة بورتسودان سبل (إحكام السيطرة على مورد الذهب) حيث نظمتها الشركة بالتعاون مع وزارة المعادن، وجهاز المخابرات العامة، وقد كانت هاتان الورشتان المتخصصتان بمثابة شارة خضراء فتحت الطريق لعبور شركة الموارد المعدنية وتجاوز العديد من التحديات التي أفرزتها الحرب.
قطعاً ما حققته الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة خلال العشر أشهر الماضية ( أشهر النكبة الكبرى) يدخل ضمن موسوعة الإنجاز المرصع بذهب الإعجاز، ارتكازاً على التحديات التي واجهتها الشركة وفرضتها ظروف الحرب، التي ألقت بظلالها السلبية على كل قطاعات البلاد، وهددت قطاع المعادن بشكل خاص، على خلفية تأثر هذا القطاع بالصعوبات الكبيرة التي واجهت مدخلات الإنتاج، من خلال شح الوقود وعدم توفره وإيصاله إلى مواقع الإنتاج، واستمرار توقف عدد كبير من الشركات المساهمة بنسب كبيرة في عملية الإنتاج، وصعوبة توفر السيولة النقدية، هذا فضلاً عن ضعف عملية التأمين بمواقع الإنتاج.
وهكذا فإن الحرب وتداعياتها السلبية، لم تقف أمام طموح وتطلعات الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة لتمضي على طرقات النجاحات وتحقيق الإنجازات، في زمن تراجع الخطى وتبعثر المسارات وانسداد الأفق وغياب الرؤى، فعجزت كبريات الشركات الوطنية من أن تساير واقع الحرب، ولكنَّ شركة الموارد المعدنية كانت حاضرة، فاستطاعت رغم التعقيدات الأمنية، أن تحقق في العام ٢٠٢٣م إنتاجية بلغت ٢٣.١٦ طن ذهب، بقيمة إيرادات بلغت ٩١،٨٦ مليار جنيه، وتحقيق نسبة ٧٩٪ من تحقيق الربط الإنتاجي لمعدن الذهب، فانعكس ذلك على المساهمة بقدر متعاظم في تماسك اقتصاد البلاد رغم آلة الحرب التي أكلت الأخضر واليابس.
لقد اثبتت الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة أنها رائدٌ لا يكذب أهله، ولا سيما في زمن الشدة والبأس، فاستطاعت إيجاد معالجات جذرية وآنية للكثير من التعقيدات والظروف القاهرة التي أفرزتها الحرب، ونجحت تحت قيادة مديرها العام السابق مبارك عبد الرحمن أردول والمدير العام الحالي محمد طاهر عمر وأركان حربه من مساعدي المدير العام ومديري الإدارات العامة والمتخصصة ومديري المكاتب الولائية المنتجة ومديري الإنتاج ومشرفي الأسواق، استطاعوا الحفاظ على ترابط وانسجام الشركة لتحقيق الاستمرارية في الإنتاج، من خلال تنسيق الجهود والمواقف مع شركاء القطاع كافة للتعاون على تحقيق التكامل من أجل النهوض بقطاع المعادن.
وتتطلع الشركة السودانية للموارد المعدنية في مرحلة ما بعد الحرب إلى المضي قدماً في تعزيز دورها الرائد للنهوض بقطاع المعادن في السودان، وقد بدأت مؤشرات هذه الخطوات باكراً من خلال الحراك الذي ابتدره المدير العام محمد طاهر عمر بالاتصال والتواصل مع أصحاب المصلحة من الشركات والمجتمعات المحلية الحاضنة للأنشطة والصناعات التعدينية في مناطق الإنتاج سواءاً بولاية البحر الأحمر، أو ولايتي نهر النيل، والشمالية، حيث تم التباحث والتفاكر على تعزيز حقوق هذه المجتمعات عبر أموال المسؤولية المجتمعية وتنفيذ القرار ٩٠ بالشكل الذي يحقق العدالة الكاملة لجميع الأطراف، وهو تفكير “خارج الصندوق ” انعكس إيجاباً على عودة جميع الشركات لاستئناف العمل، مما يبشِّر باستقرار القطاع، وزيادة الإنتاج والإنتاجية.
واتوقع أن تخرج ورشة عمل تقييم وتقويم مسيرة الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة بتوصيات ومقررات تجيب على الكثير من الأسئلة الصعبة والتي ما انفكت تؤرق مضجع المعنيين بالأمر، سواءاً في وزارة المعادن أو داخل أروقة شركة الموارد المعدنية، فيما يتعلق بتقدير المخاطر وتحليل الأداء وقراءة الرؤى المستقبلية، وكيفية تحفيز شركاء القطاع ودفعهم للمزيد من العطاء وتجاوز الإفرازات السلبية للحرب والتي نتوقع استمرارها حتى بعد توقف إطلاق النار، واستعادة السودان لعافية الأمن والأمان، وتبقى الآمال عراضاً بإمكانية التطوير وتحقيق الغايات والتطلعات في ظل الاهتمام الذي يجده قطاع المعادن من قبل الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، نائب القائد العام للقوات المسلحة والذي يشرف بشكل شخصي على وزارة المعادن ويتفهم دور شركة الموارد المعدنية المحدودة باعتبارها أهم روافع الاقتصاد، والممسكة بخيوط الحفاظ على موارد وثروات البلاد، وعلي قدر أهل العزم تأتي العزائم..