مقالات الرأي

فنجان الصباح  أحمد عبد الوهاب يكتب الإصلاح التشريعي والقانوني، أكبر وأخطر من أن يسند لوزارة العدل وحدها.. 

 

مابين أوجاع يوميات الحرب وهموم ومشاغيل إدارة دولاب الدولة المنهارة سياسيا واقتصاديا والمهددة في كيانها وبقاء شعبها ووجود دولته.. ثمة امل ساطع بالنصر وثمة ضوء باهر يلوح في آخر النفق.. 

ففي الأنباء أن السيد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن قد التقى وزير العدل المكلف وناقش معه رؤية وزارته ومسعاها للإصلاح التشريعي والقانوني في المرحلة المقبلة.. 

تقتضي منا الأمانة أن نشيد بهكذا خطوة نحن الذين ألهبنا من قبل ظهر الحكومة، وسلقنا قادتها بألسنة حداد لما كانت تمضي بخطى بلهاء كسولة في شتى الأصعدة مضيعة علينا فرصا لا تعوض ومهدرة على نفسها وشعبها وقتا من ذهب.. 

تجئ هذه الخطوة الأكثر شجاعة وجرأة في ظل ظروف معلومة بالغة الدقة والتعقيد.. ظروف لا تخفى على أي راع للضأن في سهل البطانة..

 ان الدولة القادرة على الحياة والسلطة الطامعة في البقاء هي التي ترى ضوءا في آخر النفق.. وهي التي تبدأ بإصلاح بيتها القانوني واصحاح بيئتها التشريعية رغم دوي القنابل و المدافع وازيز الرصاص. ان دعوة المظلوم التي تفتح لها أبواب السماء أخطر على الدول من المسيرات التي تفتح نيرانها من الفضاء.. مثلما أن زفرات من يئس من العدل ودمعة من ذاق مرارة الجور وعرف طعم الحيف انكى على الأمم من غزو الجيوش وأشد ضررا وتدميرا من تمرد المليشيات الغاشم.. وعدوانها الرجيم.. 

في ظل هكذا ظروف وأوضاع معقدة جراء حرب توشك أن تكمل حولا كاملا شلت كل أوجه الحياة وعطلت دولاب الدولة وشردت ملايين الأبرياء وحولتهم احد رجلين اما نازح أو لاجئ.. ووضعت الملايين على شفير المجاعة.. 

في هذه الاثناء تلتفت الدولة إلى عمليات الإصلاح التشريعية والقانونية.. وتجد وزارة العدل من رئاسة الدولة تعهدات بتذليل كافة العقبات.. بالقدر الذي يعينها على إنجاز المهمة العسيرة بالوجه المطلوب. 

ولاغرو أن تجد هذه الخطوة الباسلة ترحيبا ومباركة واسعة من كل الأوساط الأكاديمية والمهنية والنخب الوطنية المهمومة بأمر العدالة وسيادة القانون. ذلك أن تحقيق الانصاف واقامة العدل امر سماوي مقدس وهو أيضا مطلب سام لكل تشريع سماوي أو قانون وضعي، مثلما انه هدف ظلت تسعى إليه الدول والأمم والحكومات قديما وحديثا.. ولأن العدل هو اساس الحكم.. ولان ( دولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى القيام الساعة) وان الله تعالى وهو الحكم العدل (ينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وان كانت مسلمة) .. 

أن أولى البلدان طرا بأي اصلاح تشريعي أو قانوني هو السودان خصوصا وهو يذوق ويلات سياسات عرجاء، ويقطف ثمار ما جنت يداه من أخطاء وخطايا تشريعية تمثلت في سماحه لمليشيا بقيادة أسرية عنصرية وجاهلة بأن تصبح جيشا موازيا.. ولمنحه الوظيفة العامة لمن لا يستحقها، ومناولته الحكم لجماعات من النشطاء بدون بضاعة كافية من خبرة في الحكم ، و دونما دربة في الادارة أو دراية بالسياسة، وبدون ظهير في الساحة من قواعد وجماهير.. 

لذلك لم يكن مستبعدا لكل مراقب منصف أن تندلع الأزمة وتجد لها وقودا عند متمردين جبناء وسياسيين عملاء، تخطى اجرامهم كل أعراف مرعية ، وكل قانون و خلق كريم. وان يقترفوا من الجرائم مايندى لها جبين الأحرار، ويهتز لها الضمير الإنساني. 

وفي قرارة نفس كل سوداني أن كل ماحل بالبلاد من قتل وسحل وخراب كان منشؤه أخطاء دستورية وتشريعية، وان كل ما حاق بالشعب من تهجير ونهب وتدمير كان مبدؤه خطايا قانونية. 

وحسنا فعلت الدولة وهي تغادر محطات النظر إلى ماتحت رجليها وتستشرف المستقبل من بوابة العدل، وتنظر بعيني زرقاء اليمامة من نافذة القضاء.. وتستعد لمرحلة مابعد دحر التمرد بطرح مشاريع وإطلاق برامج من شأنها احكام التشريعات وإصلاح القوانين.. يتم بموجبها سد كل الثغرات واغلاق كل باب تتسرب منه رياح الفتنة والظلم ليقوم البناء العدلي والقضائي على أساس سليم تستقيم به حياة الناس في دولة لايظلم فيها أحد.. 

غير أن هذا الأمر لن يبلغ سنام أهدافه وذرى غاياته إذا أصرت الدولة على وضع كل البيض- أن جاز التعبير- في سلة وزارة العدل وحدها.. وإذا وسدت الامانة العظيمة، وإذا وضعت الحمل الثقيل والمهمة الشاقة على عاتق العدل وحدها.. أن امرا باهمية الإصلاح التشريعي والقانوني من التعقيد والعسر ما يجعله أكبر وأخطر من أن يترك لوزارة العدل بمفردها.. ان القضية ليست قضية عمل ب ( المقطوعية ) ولا واجبا ينجز باليومية ، وإنما مهمة شاقة وعسيرة وخطيرة تحتاج إلى جهود جهات كثيرة لديها خبرات جهيرة ك (الهيئة القضائية) السلطة المنوط بها تحقيق العدل وتحويل هذه القوانين والتشريعات إلى أحكام قضائية يتحقق بها العدل والقسطاس المبين.. وكذا الأمر عند جهات كثيرة قانونية كالنيابة والشرطة واهل القضاء الواقف وأهل القانون من علماء وخبراء لا يشق لهم غبار وجهات أخرى أكاديمية وحقوقية لديها ماتبذله من نصح وما تجود به من علم وتجربة.. 

كل ذلك يجعلنا نتوقع في الفترة القادمة حراكا قانونيا وقضائيا وأكاديميا واسعا، تظاهره ندوات وورش عمل وسمنارات تبحث في أصل العلل وتشخص مصادر الداء العضال .. وتكتب روشتة العافية. 

والمأمول أن يتقدم كل شركاء العمل العدلي بمقترحاتهم ونقدهم الذاتي المجرد لوجه الله بدون نزوع لعصبية مهنية أو أن تأخذهم العزة الوظيفية بالاثم.. لابد أن يتم فتح الجراح وتنظيفها بعنف حتى لايرم الجرح على فساد.. ولابد أن يعرف ولاة الأمر كل مايعيق العدالة من إجراءات أو يعرقل سيرها من قصور أو إمكانات .. 

كما أنه يتعين تشكيل لجنة يناط بها مراجعة القوانين على أن تكون برئاسة قاض من المحكمة العليا وعضوية عدد من القضاة وقانونيين من وزارة العدل والنائب العام وعدد من كبار المحامين الممارسين للمهنة والمشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والتقيد بالقانون وأخلاقيات المهنة. 

ويجب النص صراحة وبنصوص واضحة على منع التطويل وسوء استخدام الإجراءات والأمعان في طلب تفاصيل النزاع بقصد التطويل وهدر الوقت.. 

كما ينبغي مراجعة إجراءات حضور وغياب الأطراف.. وتحديد نصوص واضحة في تعديل القانون الإداري والمعاملات المدنية. 

اننا نتوقع معالجات جذرية وناجزة تزيل كل تضارب في القوانين وكل تعارض في الصلاحيات والتشريعات.. 

أن ملء نفس كل سوداني وطني صميم تفاؤل مشبوب بمواسم عدل وانصاف عديدة تعيد للسودان مجده الغبار.. وللقضاء الوطني العريق هيبته وعهده الذهبي ، وللمواطن طمأنينته في دولته ومؤسساته التي بناها شعبنا من ليل الأسي ومر الذكريات.. 

وبالله التوفيق

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!