أعمدة الرأيمقالات الرأي

فريق شرطة( حقوقي) د. الطيب عبدالجليل حسين المحامي يكتب إرتدادات جرائم المليشيا(4)

 

مقاطع فيديو واسعة الانتشار والتداول منتشرة في وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية المحلية والدولية، توضح حالات تدمير وتخريب تقوم بها مليشيا الجنجويد على مقار أماكن المتحف الطبيعي والمتحف القومي في مدينة الخرطوم ومتحف بيت الخليفة في مدينة أمدرمان. وبنظره فاحصة محتوى الفيديوهات تثبت أن مليشيا الجنجويد ترتكب التدمير والتخريب بشكل ممنهج ومخطط له، وقيمة محتوى الفيديوهات المتداولة في نطاق واسع، أنها إستدلالات لأدلة مادية تثبت إنتهاكات وهجمات مليشيا الجنجويد، وهي تستهدف ممتلكات الشعب السوداني الثقافيه والحضاريه، دونما إيلاء إعتبار نظر من جانب القيادات العسكرية والميدانية وجماعات أفراد مليشيا الجنجويد، أن تلك الآثار التاريخية والأعمال الفنية والمواقع الأثرية – المعروفة باسم الممتلكات الثقافية والحضارية – مشمولةٌ جميعها بالحماية بموجب قواعد الحرب والقتال والنزاعات المسلحة الداخلية. لأن الهجمات التي تستهدف الممتلكات الثقافية في جوهرها هجمات ضد تاريخ البشر وكرامتهم وإنسانيتهم، وأنها هجمات ضد الهوية والذاكرة الجمعية ومستقبل وكرامة البشرية.
وطبقا للقانون الدولي الانساني، يلزم القانون المتقاتلين بحماية الممتلكات الثقافية واحترامها، لأن قواعد الحرب والقتال تمنع شن هجمات أو القيام بأعمال عدائية ضد الممتلكات الثقافية والحضارية، وكما تحظر وتمنع إستخدام مقار أماكنها لأغراض عسكرية. وتبعاً له، يجب أن توقف عمليات السرقة والنهب والتخريب الموجه ضد هذه الممتلكات، لأن حماية الممتلكات الثقافية والحضارية واحترامها، أمرٌ محوري لإعادة بناء المجتمع بمجرد إنتهاء النزاع المسلح.
واستهلالية الإشارة لإعتداءات مليشيا الجنجويد على مقار أماكن الممتلكات الثقافية والحضارية في مدينتى الخرطوم وامدرمان يفرض نفسه، لأنها حرب لإستئصال الهوية وتدميرها ومرتبط بتأريخ الهوية السودانية Identity – ID، لأن الممتلكات الثقافية والحضارية تختزن في أحشائها صيرورة Becoming وسيرورة Processing الهوية عبر التاريخ والأجيال البشرية الإنسانية التي صنعت تلك الهوية في سياق أنساق إجتماعية وسياسيه وآيديولوجيه. وكما أن تأريخ الهوية السودانية يثير مسألة جوهرية بطرح سؤال فلسفي – بسؤال الأنا المتفردة – منّ نحن Who we are؟ ولذلك، للإجابة على سؤال تعريف أنفسنا كسودانيين(الأنا السودانية المتفرده) تطرح مسألة أخرى جوهرية أكثر أهمية، ألا وهي هوية النواة المحورية The core identity التي منها تتشكل دوائر الهويات الكبرى Macro والصغرى Micro.
ولتوضيح أكثر وعلى سبيل المثال؛ المصريون Egypt / Egyptians بمختلف أجيال نحلهم عرقاً وديناً ولغة وتراتيبهم الطبقيه في مجتمعهم المصري، يعرفون أنفسهم عرقاً دماً ولوناً بالجنس القبطي Coptic، وحضارة ثقافية أنهم فراعنه أصحاب حضاره إنسانية عريقة ضاربة الجذور في التاريخ البشري الإنساني. والألمان يعرفون أنفسهم عرقاً بالدم الآري الصفوى النقي الجرماني(نسبة للجرمان German وموطنهم أرض الدويتش Deutschland وهي قبيلة الألامان وموطنها غرب نهر الراين)، وثقافة الألمان يعرفون أنفسهم بتكلمهم اللغة الجرمانية دون سواها، ولتعزيز نواة الهوية الألمانية ودوائرها الفرعية والثانوية، قانون الجنسية الألمانية يلزم أي شخص يحمل جنسية دولة وطنية أخرى بشرط التنازل عن تلك الجنسية بإقرار مشفوع باليمين وشهادة صريحة صادرة من دولة جنسية الشخص طالب الحصول على الجنسية الألمانية.
وكما البريطانيون British people يعرفون أنفسهم بهوية النواة أنهم بريطونيين أو بريتونيين Britons، وتختصر بالعامية Brits، وأنهم مواطنو المملكة المتحدة في بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية وأقاليم ما وراء البحار البريطانية وملحقات التاج البريطاني، وثقافة يتكلمون اللغة البريطانيه، ولا يتكلمون اللغة الانجليزيه، عامية اللغة البريطانيه لسان حال البيريطونيين، وإن تطورت الانجليزيه كلغة خطاب رسميه للدولة البريطانية المعاصرة ومنظمة الأمم المتحدة، وصار يتحدث بها العديد من الدول كلغة أصليه Mother language أو لغة ثانية للغة الأصلية وخاصة الدول التي كانت مستعمرة خاضعة تحت التاج البريطاني، ولتعظيم هوية النواة ودوائر الهويات الفرعية والثانوية المحيطة بهوية النواة، البريطانيون باستفتاء شعبي بنسبة 51.9% إختاروا الخروج من الاتحاد الاوربي فيما يعرف Brexit أو British Exit. وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية جعلت لنفسها هوية نواة، بأنهم White Anglo – Saxon Protestant، وتختصر واسب WASP، بإدعاء الدم الأبيض السكسوني والمذهب البروتيستانتي من الديانه المسيحية، بإقصاء جذري لعرقية وثقافة الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين Indigenous people.
ولذلك لتعريف أنفسنا كسودانيين، أي هوية نواة يجادل عليها أهل السودان والتي بمقتضاها وعلى أساسها تشكلت دوائر الهويات الفرعية والثانوية للسودان الحالي، والتي عليها إنبنت الجنسيه السودانية تشريع قانون؟ هل ننظر لأنفسنا سوداناويين نوبيين عرقاً وجنساً وموطناً لأرض إقليم السودان وسط وجنوب الصحراء لتمييز أنفسنا عن البيضان لعرقيات الأقباط والبرابرة والشناقيط والأمازيغيين على شريط ساحل البحر الأبيض المتوسط داخل شمال الصحراء في أفريقيا؟ وثقافة حضارية أين هي حضارة كوش ونبتا ومروي من هوية النواة للسودانيين؟
وبلا شك من المعطيات التأريخية، الجنس والعرق النوبي والحضارة الكوشية المروية هي أساس نواة الهوية السودانية، وعلى أساسها إنبنت وتشكلت الهويات الفرعية والثانوية للدفاع عن نواة الهوية السودانية وبقائها متحولة ومتغيره ومستمرة.
وازاء متغيرات نواة الهوية وتحولاتها وتطورها وفقاً لقانون الجنسية السودانية 1957م، 1974م، 1994م، 2005م، وبحسب تعداد السكان 1956م، عدد سكان السودان 12 مليون شخص، وقراءات تعداد السكان للعام 2023م حوالي نحو أكثر من 49 مليون شخص. فإنه بقراءة معدل تغييرات النمو السكاني خلال الفترة 1994م – 2023م، يتبين أن السودان شهد زيادة ملحوظة وإرتفاع كبير في عدد السكان، وأن هذه الزيادة لا تتناسب مع معدل نمو السكان المحدد 3% سنوياً. وتفسيرات ذلك، السودان تعرض لهجرات بشريه كثيفه من خارج الحدود بزيادة بلغت حوالي 14 مليون شخص خلال الفترة 1956م – 2011م تاريخ فصل جنوب السودان عن شماله(أي زيادة 14 مليون شخص خلال 55 سنة)، وزياده بلغت نحو أكثر من 16 مليون شخص خلال الفترة 2011م – 2023م(أي زيادة 16 مليون شخص خلال 12 سنه).
وبالتالي، الزيادة في عدد السكان بالهجرات من خارج الحدود، أحدث ويحدث إختلالات وهزات خطيرة على متغير الهوية السودانية، وأن مجمل هذه المتغيرات تشكل مهددات أمنية واسعة النطاق على السودان وأهله، وأن ما يجري على الأرض في السودان منذ تاريخ 15 أبريل 2023م برهان وتأكيد عملي لمتغيرات الهوية السودانية بالنسبة لعدد السكان نوعاً وكماً وكيفاً، وبوجه خاص تقديرات عدد المحاربين Warior/ Warier وأعداد القتلى Dead في صفوف مليشيا الجنجويد المتمردين والخارجين عن قانون الدولة. وأن متغيرات الهوية السودانية المحددة للهويات الشخصية والمحددة لوظيفة عمل الأشخاص بإعتبارهم سودانيين، وجودة فاعلية أنظمة الهوية السودانية وموثوقيتها لحماية الهوية السودانية، متغيرات لا تتفق مع معايير مبادئ تحديد الهوية من أجل التنمية المستدامة نحو العصر الرقمي المقرر والمجاز من أروقة منظومات البنك الدولي الصادر بتاريخ 03 /03/ 2021م.

فريق شرطة( حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين
المحامي إستشاري القانون المحكم والموثق
30 / 03/ 2024م
20 رمضان 1424هجريه

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!