أعمدة الرأي

بابكر الاسيد يكتب (بين تسجيل المكالمة والكبانية الحبشية)

 

حكى لي صديقي دكتور شنان محمد الخليل، ايام عمليات إجلاء السودانيين من العراق أثناء الغزو الأمريكي لها، أنه وأثناء وقوفه أمام صالة الوصول بمطار الخرطوم، جاءه أحد القادمين من العراق، وقال له: لو سمحت اديني تلفونك ده أعمل بيهو مسكول (miss call).. قال، ناولته التلفون، فتنحى جانبًا وتحدث لمدة عشرة دقائق، ثم أعاد لي التلفون وقال لي: شكرًا على المسكول.. قلت لدكتور شنان: سيدخل تلفونك موسوعة جينيس للأرقام القياسية، حيث إنه سجل أطول مسكول في العالم..

مكالمة البرهان / إبن زائد، ستدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية. حيث إنها أكثر مكالمة – منذ اكتشاف التلفون – وجدت تحليلًا ونقاشًا. وأكثر مهاتفة وجدت مكانها في جلسات الجَبَنَة وقعدات الونسة السودانية.. تناولها الصحفيون والمحللون والخبراء الاستراتيجيون وقتلوها تحليلًا وجغموها نقاشًا.. وقد وجد محور (من الذي أطلق الرنة الأولى؟) نصيب الأسد من التحليل والنقاش.. وبنى كلٌ تحليله على الإجابة على هذا السؤال.. فقد بادرت منصات الإعلام الإماراتية بإعلان خبر المهاتفة، ذاكرةً بأن البرهان هو من بدأ المكالمة، يعني هو الدق لابن زائد.. وخرج بيان مجلس السيادة ليقول، لا، إبن زائد هو من دق اولًا.. وطفق المحللون يحللون كل على هواه..

مقال دكتور مزمل أبوالقاسم جاء بتفاصيل المكالمة.. وأهم ما جاء فيه أن مكتب رئيس مجلس السيادة قام بتسجيل المكالمة.. وأن المكالمة كانت بترتيب وتنسيق الرئيس الحبشي.. وأنه – رغم ان المبادر بالاتصال هو إبن زائد – إلا أن الذي استلم الحديث هو البرهان، حيث طلب من إبن زائد ان يوسع صدره لما سيقوله له.. وأن البرهان حمل ابن زائد ما يجري في السودان.. وقال له إن لدينا من الأدلة ما يثبت أنكم تدعمون التمرد.. ثم جاء تعليق من الاستاذ الصحفي الطاهر ساتي ليؤكد ذلك، ويزيد عليه أن هذه المكالمة كانت بعد عدة محاولات من ابن زائد، بلغت أربعة محاولات.. وانها كانت من المفترض أن تكون في يوم زيارة الرئيس الحبشي.. وأن البرهان لم يشكر الإمارات في تلك المكالمة..

وذهب عددٌ من المحللين والكتاب إلى أن العبرة بمحتوي المكالمة، وبما جاء بها من إلتزامات وبما ستسفر عنه هذه الالتزامات.. وليس مهمًا من بدأ المكالمة.. ومن هؤلاء الأستاذ الصحفي راشد عبدالرحيم..

َحقيقة إننا دائمًا نهتم بالبردعة ونترك الحمار.. فمادام انه اتضح ان إمارات ابن زائد قد رابها الاتهامات السودانية والأدلة التي قدمها السودان.. ثم تقارير المنظمات وتناول الصحف العالمية وتحركات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي.. وأرعبها ان كل أولئك أمنوا على الأدلة التي قدمها السودان والتي تثبت تورط عيال زائد في دعم مليشيا الجنجويد ، وأنها أدلة صحيحة، وبالتالي تورطهم في كل الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيا.. مادام الامر كذلك، ومادام ان قادة دولة الإمارات قد بادروا بالاتصال وابدوا استعدادهم للمساعدة في وقف الحرب وفي تعويض الخسائر وإن القيادة السودانية كانت في موقف قوي في هذه المكالمة، فإني أرى أن ردة فعل مجلس السيادة بإصدار بيان لتوضيح أن القيادة الإماراتية هي من بادرت بالاتصال.. هذا البيان جاء متعجلًا ولم يقدر الموقف جيدًا، ولم يقرأ موقف الإمارات جيدًا.. فالامارات، بتسريبها للمكالمة وانها جاءت بمبادرة من القيادة السودانية، بدت وكأنها تريد أن تمهد للإيفاء بما جاء بالتزامات منها خلال المكالمة.. فهي تريد أن تحفظ ماء وجهها.. ولذلك كان على مكتب رئيس مجلس السيادة ان يتريث وينتظر.. فهو يملك التسجيل للمكالمة ويملك الشاهد عليها، الرئيس الحبشي، الذي لعب دور الكُبَانية في المكالمة.. وما كان عليه أن يجتهد ويصدر بيانًا في مسالة شكلية، يملك دحضها لاحقًا، بعد أن ينال ما يريد..

بابكر الشيخ الأُسيْد

20 يوليو 2024م

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!