عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان يكتب قوات الدفاع المدني درع الحماية في أوقات السلم والحرب

بسم الله الرحمن الرحيم
قوات الدفاع المدني درع الحماية في أوقات السلم والحرب
تُعد قوات الدفاع المدني إحدى الركائز الأساسية للأمن والاستقرار في السودان، حيث تؤدي دورًا محوريًا في حماية الأرواح والممتلكات، سواء في الظروف الطبيعية أو خلال النزاعات المسلحة. وبرغم التحديات الجسيمة، فإن هذه القوات تواصل أداء مهامها بكفاءة وشجاعة، مع تحقيق تطورات ملحوظة في أدائها، مما يؤكد أهمية دعمها وتعزيز قدراتها.
شهد الدفاع المدني في السودان نسقًا متصاعدًا في الأداء منذ فترة ليست بالقصيرة، حيث انتقل من العمل في مبانٍ متواضعة إلى مستوى أكثر تنظيمًا وفعالية، مع توسيع نطاق مهامه وقدراته التشغيلية. ففي زيارتي لمباني رئاسة قوات الدفاع المدني في الميناء الشمالي ببورتسودان، وجدت الفريق شرطة د. عثمان عطا مصطفى، مدير قوات الدفاع المدني، يدير العمليات من مبنى صغير وقديم ، وهو ما يعكس حجم التحديات التي واجهتها هذه القوات في تهيئة بيئة عمل مناسبة. ورغم ذلك، تحقق تطور نوعي بانتقالهم إلى مبنى أفضل نوعاً ما يتيح كفاءة أكبر في التنسيق والاستجابة، وهو ما اعتبره الفريق عطا نقلة نوعية، حيث كان جميع الضباط والجنود يعملون سابقًا في مساحة أكثر تواضعًا قبل الانتقال إلى المقر الحالي.
يعتبر الفريق عثمان عطا من القادة الذين أحدثوا تحولًا ملموسًا في أداء الدفاع المدني، إذ يتميز برؤية استراتيجية وحرص على تطوير المنظومة بما يواكب المتغيرات الميدانية والتحديات المتزايدة. لم يكن اهتمامه مقتصرًا على الجوانب الإدارية فقط، بل امتد إلى بناء شراكات دولية فاعلة، كان لها أثر مباشر في تعزيز إمكانات الدفاع المدني. كما أنه يتبنى سياسة الباب المفتوح، مستمعًا إلى مشكلات الأفراد والضباط، ومؤمنًا بأن القوة الحقيقية لأي مؤسسة تكمن في كوادرها البشرية وكفاءتهم المهنية.
يؤمن الدفاع المدني بأهمية الحضور الدولي والمشاركة في المؤتمرات ليس فقط لإثبات أن السودان دولة قائمة بمؤسساتها، ولكن أيضًا لتحقيق مكاسب ملموسة في مجالات التدريب والتطوير. فمن خلال هذه المشاركات، حصل عدد كبير من الضباط والأفراد على دورات تدريبية، بل إن أعداد المتدربين بعد اندلاع الحرب تجاوزت ما تم تحقيقه قبلها، مما انعكس إيجابيًا على الأداء الميداني. كما نجحت القوات في فتح قنوات تواصل مع منظمات الأمم المتحدة، ما أدى إلى حصولهم على دعم لوجستي مهم، مثل معدات تعقيم الأماكن المستردة، والأكياس البلاستيكية الآمنة لحفظ الجثامين، وأدوات التعامل مع الألغام والذخائر غير المنفجرة.
لم يقتصر دور الدفاع المدني خلال الحرب على مهام الإطفاء والإنقاذ فحسب، بل امتد ليشمل العمل البري والنيلي والجوي في أصعب الظروف. وقدمت هذه القوات تضحيات كبيرة، حيث ارتقى عدد من ضباطها وضباط الصف والجنود شهداء أثناء أداء واجبهم، بينما أصيب آخرون بجروح متفاوتة. بل إن بعض ضباط الدفاع المدني أصبحوا اليوم في قيادة وحدات العمل الخاص، مما يعكس مدى خبرتهم وقدرتهم على التأقلم مع التحديات الأمنية والميدانية. كما أن سرعة استجابتهم لحرائق مصفاة الجيلي بقيادة الفريق عثمان عطا بنفسه كانت مثالًا بارزًا على التخطيط المسبق والجاهزية، حيث تمكنوا من إخماد الحريق خلال فترة وجيزة بفضل تخزين المواد اللازمة في منطقة آمنة قريبة من الموقع، ولم يستهلكوا سوى أقل من نصف الكمية المخصصة لهذا النوع من الحوادث، وهو ما يعكس كفاءة عملياتهم واستباقيتهم في التعامل مع المخاطر.
في خطوة كبيرة نحو تعزيز قدرات الدفاع المدني، تم افتتاح مركز الإنذار المبكر متعدد المخاطر، بحضور السفير الإيطالي، وهو مركز حديث مزود بأنظمة رصد عبر الأقمار الصناعية والاتصالات اللاسلكية، لرصد الكوارث الطبيعية والمخاطر البيئية والصحية. يهدف المركز إلى إرسال التحذيرات المسبقة للجهات المعنية والمجتمعات المحلية لاتخاذ التدابير الوقائية، بما يتماشى مع إطار سنداي العالمي للحد من المخاطر (2015-2030). وقد تم إنشاء هذا المركز بتمويل من الوكالة الإيطالية، في خطوة تعكس أهمية التعاون الدولي في دعم جهود الدفاع المدني.
رغم التطورات الكبيرة، يواجه الدفاع المدني تحديات لا تكمن فقط في صعوبة المهام واتساع رقعتها، بل في نقص الوسائل اللوجستية ووسائل الحركة، وهو أمر يستدعي اهتمامًا عاجلًا من وزارة الداخلية، بل ومن مجلس السيادة. فالنقص الحاد في وسائل النقل لا يؤثر فقط على سرعة الاستجابة، بل قد يكون الفرق بين إنقاذ الأرواح وخسارتها. إن الدور الحيوي الذي تقوم به قوات الدفاع المدني يستوجب توفير دعم حكومي مستمر لضمان استمرار كفاءتها في حماية الأرواح والممتلكات.
إن قوات الدفاع المدني في السودان أثبتت، رغم كل التحديات، أنها على مستوى المسؤولية، مقدمةً نموذجًا يحتذى به في التضحية والالتزام. ولضمان استمرار هذا الأداء المشرف، فإن دعمها ليس مجرد واجب، بل ضرورة ملحة. فتطوير قدراتها، سواء من حيث البنية التحتية أو التدريب أو المعدات، سيكون له أثر مباشر في تعزيز أمن واستقرار السودان.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢٧ فبراير ٢٠٢٥م