أعمدة الرأي

عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان يكتب الإعادة للخدمة ليست سدرة المنتهى..

 

في حياة الإنسان، لا تكون الفرص محدودة بباب واحد، ولا يكون المستقبل رهينًا بمسار واحد فقط. هذه الحقيقة تنطبق على كافة المجالات، ومنها العمل الأمني والشرطي، حيث يُنظر البعض إلى الإعادة للخدمة بعد التقاعد على أنها السبيل الوحيد للعطاء، بينما الواقع يؤكد أن القدرة على التأثير والإنجاز لا تتوقف عند حد الوظيفة الرسمية.

 

التقاعد لا يعني نهاية العطاء، ولا يعني أن الشخص أصبح غير قادر على تقديم الفائدة. فالخبرة التي راكمها الضابط المتقاعد خلال سنوات خدمته تظل قيمة لا تُقدر بثمن، ويمكن استثمارها في مجالات مختلفة، سواء في الاستشارات الأمنية، أو التدريب، أو حتى العمل المجتمعي الذي يعزز الأمن والاستقرار. وفي السودان، وبعد هذه الحرب القاسية التي غيرت ملامح البلاد، فإن إعادة البناء تتطلب جهودًا مضاعفة من الجميع، سواء كانوا في الخدمة الرسمية أو خارجها. فإن قررت السلطات إعادة بعض الضباط للخدمة، فهذا خيار له مبرراته وظروفه، لكن إن لم يحدث ذلك، فلا ينبغي أن يكون التقاعد مدعاة للانعزال أو الشعور بالتهميش.

 

الضابط المتقاعد يمكن أن يكون مؤثرًا بطرق عديدة، فالمعرفة والخبرة لا تفقد قيمتها بالتقاعد. يمكن تقديم الاستشارات والتدريب للضباط الجدد من خلال دورات متخصصة، أو المشاركة في المبادرات المجتمعية لتعزيز ثقافة القانون والأمن، أو المساهمة في الإعلام والتوثيق عبر الكتابة والتحليل لتقديم رؤى إصلاحية للأجهزة الأمنية، أو حتى دعم العمل التطوعي في ظل الظروف الراهنة، سواء في جهود الإغاثة أو تنظيم المجتمع المدني.

 

بعد الحرب، لا ينبغي أن يعود السودان إلى ما كان عليه قبلها. يجب أن تكون المرحلة القادمة مرحلة بناء واستفادة من كافة الطاقات والكفاءات، بمن فيهم الضباط المتقاعدون، سواء في صفوف الخدمة أو خارجها. المهم أن يكون الجميع فاعلين في إعادة بناء الوطن، كلٌ من موقعه. فالخيار ليس محصورًا بين أن تكون داخل الخدمة أو متفرجًا، بل هناك مساحة واسعة للعطاء، تمامًا كما قال غازي القصيبي: “تذكر دائمًا أن في الحياة رحابة، وأن الآفاق واسعة.”

 

عميد شرطة (م)

عمر محمد عثمان

 

٢٨ فبراير ٢٠٢٥م

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!