همس الحروف د. الباقر عبد القيوم علي يكتب نداء عاجل إلى قيادة الدولة : أنقذوا بساتين الشمالية قبل أن تبكيها الأرض ، و تكتبها كتب الندم

من قلب الولاية الشمالية المعروفة بعطائها الزراعي الوفير ، تلفظ مشاريع البستنة أنفاسها الأخيرة تحت وطأة العطش و الإهمال ، هنالك مشاريع شاسعة ، تمتد على مساحة تزيد عن 60,000 فدان ، تنتج سنوياً مئات الآلاف من الأطنان من الخيرات البستانية و الحقلية ، أصبحت اليوم مهددة بالموت الكامل بعد أن ضربت الحرب قطاع الكهرباء ، فغابت الطاقة ، وجفت الأشجار و هي الآن تلفظ في أنفاسها الأخيرة ، وبات المزارع حبيس يديه لا يملك غير التضرع والدعاء لله .
أكثر من 7 مليون شجرة مثمرة ، ترزح تحت وطأة العطش ، تناديكم بصوت لا يُسمع ، وتذكركم بحديث رسولنا الكريم عن الرجل الذي سقى كلباً فشكر الله له ، فكيف بمن ينقذ حياة هذه الأشجار و هذه السلالات النادرة ، بعضها لا يقدر بثمن ، و لا يمكن تعويضه حتى لو أُنفق المال كله ؟ ، فهل ننتظر أن تزهق الأرواح النباتية ، وتزهق معها أرزاق الناس ، ثم نقول بعد ذلك : (قدر الله وما شاء فعل) و لكن أقول لهم (لا) ، فالله أمر بالأخذ بالأسباب ، وترك البيروقراطية حيث لا وقت لها حين تكون الأرواح على المحك .
السادة في قيادة الدولة ، السادة في وزارة المالية ، نناشدكم باسم 200 ألف مزارع ، وباسم أكثر من 6 ألف مالك مشروع ، نناشدكم باسم أُمهات الموالح وسلالات النخيل النادرة ، التي إن ماتت فلن تعود مرة أخرى ، نناشدكم باسم البيئة التي ستتسع فيها رقعة التصحر ، وباسم المجتمعات التي ستجبر على النزوح ، لأن بساتينهم كانت الملاذ و المورد .
لقد علمنا أن وزارة الطاقة، قبل عشرين يوماً فقط ، صدّقت مشكورة على إنشاء محطة حرارية إسعافية لإنقاذ مشاريع البستنة ، و إستبشر المزارعون بهذا التصديق خيراً ، و عاد الأمل إلى وجوههم التي جففها الانتظار إلا أن الصدمة الكبرى جاءت لاحقاً حين عرقلت البيروقراطية الإجراءات ، وتحديداً من وزارة المالية ، تنفيذ القرار بحجج إدارية لا تليق بخطورة الموقف و لا بحجم الكارثة التي تلوح في الأفق .
إن توقيعاً واحداً فقط من وزارة المالية هو ما يفصل بين الحياة و الموت لهذه المشاريع ، توقيع فقط لا يتطلب مالاً جديداً ، نريد لا أكثر من الموافقة على استكمال الإجراءات التي صدرت من جهات الاختصاص الفنية ، فهل ستظلون تنتظرون موت البساتين ثم تشيعونها بتصريحات الأسى و الندم ؟ .
و هنا لا بد أن نذكر ، و بكل وضوح ، أن أهل الشمال ، ليسوا ممن يطرقون الأبواب تذللاً ، ولا ممن يمدون أيديهم استجداءً ، فهم قوم أعزاء بطبعهم ، شامخو القامة و لو جفت الأرض تحت أقدامهم ، لا يقبلون أن يكونوا عبئاً على الدولة ، ولا أن يحبوا أن يختزلوا في خانة (المحتاجين) ، فهم من عمر الأرض و سقاها من كد عرقه وكرامته فلا تظنوا أن صمتهم ضعفاً ، و لا عزوفهم عن الشكوى جهلاً ، بل هو الكبرياء الذي لا يسمح لهم أن يتوسلوا ما هو حق مشروع لهم ، و لو أدى ذلك إلى موتهم واقفين ، فليس لأنهم لا يشعرون بمرارة ما يحدث ، و لكن لأنهم يؤمنون أن الكرامة أثمن من كل شيء .
سعادة الأخ وزير المالية ، السادة الوكلاء : الأخ عبد الله ، و الأخ بشار ، و كل من له قلب يسمع هذا النداء ، إن توقيعكم اليوم هو الفارق بين الحياة و الموت لمورد اقتصادي يمثل عمادالولاية الشمالية ، و رافداً للاقتصاد القومي ، فهلا جعلتموه توقيعاً يكتب بماء الذهب في صحائف الخير ، و حتي ،، لا يكتب لكم بالقلم الأصفر الباهت في دفاتر التقصير ؟ .
هذا نداء ، لا يكتب إلا مرة واحدة ، و لكنه يذكر في الضمائر , و التاريخ طويلاً ، فكونوا أعلاماً كباراً تدرس سيرتهم لصغارنا في المدارس .
فهل تسمعون ؟ .
و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى سواء السبيل