أعمدة الرأي

فلق الصباح علي بتيك يكتب “سيرك” السياسة السودانية

 

لابد من الإقرار بأن السياسة السودانية لم يعد لها قرار نابع من الوطن منذ ست سنوات تماماً كما هو حال محيطها.فالبعد الخارجي وتدخلاته لم تعد خافية على أحد وهم من هندس الفوضى سعيا لتفتيت الأوطان فيما عرف بثورة الربيع العربي إذ استهدفت الدول الهشة التي انهكوها بالحروب ثم دفعوا بمن يحمي مصالحهم من حملة جوازاتهم إلى سدة السلطة مع استثناء دول الخليج البعيدة كل البعد عن الديمقراطية والتداول وحقوق الإنسان وباقي “منفستو” الغرب للتدخل السريع في حين يقول المنطق بأن الإمارات مثلاً كانت أولى بالتدخل لفرض تلك القيم من اليمن لكن حدث العكس وشاركت الإمارات في حرق وتدمير اليمن رغم فارق العراقة والحضارة بينهما.ولعل زيارة ترامب الأخيرة للخليج كشفت عن هذا بوضوح وهو الذي حصد مامجموعه خمسة تريليونات دولار دون أن ينبت ببنت شفة عن القيم والمواثيق التي يتشدقون وينصبون رامبو حامياً لها بل حرر لهم شهادات مادحة ورخص لهم مزاولة حكمهم “الراشد” أو كما قال.

وبالعودة إلى السودان نفس السيناريو طبق فيما عرف بالثورة التي حملت معاول الهدم مغلفة بشعارات مخادعة فاخترق الوطن من قبل الأجانب واستخباراتهم وقناصلهم الذين انغمسوا في تفاصيل الوطن مخالفين اتفاقية فينا.بينما القوم افتعلوا معارك دونكشوتية مع القوات النظامية سعياً لتفكيكها وإعادة تكوينها من قوى الهامش كالمليشيا المتمردة التي تحالفوا معها إطاريا.ثم كان التماهي مع فرية الإرهاب كما في واقعة المدمرة كول إدانة للبلد ودفعا للتعويضات أو قل الجزية.وعندما فشل المخطط لجأوا لشد الأطراف وإشعال الحدود من ليبيا إلى تشاد وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان مرحليا.

لكن تماسك الجبهة الداخلية ووعي الشعب السوداني وقف حج عثرة أمام مخططات الخارج ونجح في هزيمة التمرد وتحرير الأرض ودحر المليشيا ومطاردتهم ومحاصرتهم في جيوب غربي البلاد.إن هزيمة المخطط التدميري لن يتوقف بهزيمة المليشيا واستئصال هذا الورم الخبيث فقد تحركوا لوقف انتصارات حرب الكرامة تارة بتحريك ملف المفاوضات ونفض الغبار عن منبر جدة الذي تجاوزته الوقائع على الأرض بعدما أرغمت المليشا على الهرب من المنازل والمرافق التي تخندقت فيها.وتارة أخرى بممارسة الضغوط على قيادة الدولة والجيش مستخدمين أذرعهم الأممية كما في تهمة الأسلحة الكيميائية التي تذرعوا واستباحوا بها العراق ليدمروه وينصبوا بريمر حاكماً بديلاً عن الخليفة العباسي.

على الدولة السودانية أن ترتب أوضاعها جيداً بتقوية الجبهة الداخلية التي عمادها تحالف معركة الكرامة ومن انحازوا للوطن،وان تحسم وتتجاوز بشجاعة صحائف ماقبل التمرد وتمزق وثيقتهم المهترئة. ثم تتحرك خارجياً لبناء تحالف استراتيجي منفتح على الصين وروسيا كدول عظمى قادرة على حماية مصالحها دون إغفال الدور الإقليمي المساند كمصر والسعودية وتركيا. التحديات كبيرة وتحتاج لإحكام وإدارة فاعلة حتى لا تتحول ساحة الوطن إلى مسرح للسيرك يضم المهرجين والمشعوذين وغيرهم من الخونة والعملاء ومن ورائهم المتربصين بالوطن ووحدته وثرواته وفي ذلك إعادة لإنتاج الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!