من أعلى المنصة ياسر الفادني يكتب هذا الوطن لايؤكل بالملاعق المسروقة !

كلما أشعلوا ناراً ليلفحوا بها هذا الوطن، أطفأها الشعب بنفَسه الطويل، وكلما جرّبوا إصطحابه عبر دروب التيه نزل منهم ، وفضح عتمتهم بنور بصيرته ، كلما انكسروا أمامه في الميدان حاولوا ستر خيبتهم بأكاذيب أرهقها التكرار، قالوها ذات يأس: لا تعودوا إلى سنجة، فالأمراض تفتك، لا تعودوا إلى مدني، فالجوع يسكنها، لا تعودوا إلى الخرطوم، فالكوليرا والموت والعطش والظلام هناك، لكن الناس يعودون، ويعودون بثقة، لأنهم يدركون أن القائلين كذّابون، وأن الواقع يفضح الرواية، وأن الخراب الذي يتحدثون عنه صنعوه بأيديهم، وسقوه من دم هذا الشعب
من خرب هذا الوطن هم، من تسبب في النزوح هم، من سرق محولات الكهرباء لشطف زيتها هم، من قلع الأسلاك ليجر عربته وسط الخراب هم، لم يعودوا يملكون حتى موهبة التخفي، فالعتمة التي استظلوا بها يوماً أصبحت مرآة تكشف قبحهم ، الشعب لفظهم، لا مواربة في العبارة، لفظهم بكل ما يحملونه من أسماء وصفات وولاءات ولايفات كل من يُذكر أمامه الناس اسم الجنجا، أو من رعاهم، أو من يدبج الأكاذيب من منصاته، يتبع إسمه بدعاء الطرد والخذلان، لأن التجربة معهم كانت ناراً لا يُمكن نسيانها
وفي المقابل، حين يتحدث الناس عن القوات المسلحة، لا يفعلون ذلك سمعاً وإنما عن معايشة، عن شعور بالأمان حين تهتز الأرض، عن معركة لا يُرفع فيها علم سوى علم السودان، هنا الفرق، وهنا الحد الفاصل بين مشروع دولة ومشروع عصابة
اعلموا أن الأيام القادمة ستُخرج من أفواههم ما تبقى من جعجعة، سيصرخون، سيتباكون، سيزيفون الواقع كما اعتادوا، لكن لا تنخدعوا، فهذه الترهات ليست إلا صراخ الغريق تحت الماء، لا يُرجى منه نجاة، كل كلمة يتفوهون بها اليوم هي رماد يحاولون أن يواروا به خيبتهم، لكن الرماد لا يغطي قبح السقوط
لهذا الوطن رجال نعرفهم نعرف كيف يقاتلون، كيف يصمدون، كيف يموتون واقفين إن اقتضى الأمر، وكيف أفشلوا بعرقهم ودمهم أضخم مشروع لتفكيك السودان، هؤلاء لا يصرخون، لا يزايدون، لا يحتالون على الحقائق، إنما يصنعونها
إنه الفرق بين من يدافع عن وطن، ومن يسرق وطن.