أعمدة الرأي

همس الحروف د. الباقر عبد القيوم علي يكتب عودة الكهرباء إلى الشمالية هي عودة الحياة

 

التيار الكهربائي يعود إلى الولاية الشمالية تدريجياً ، لينسج من العدم خيوط الفجر من جديد ، معلناً عن انتهاء حقبة الظلام الدامس ، و بدء عهد من الرجاء والبناء ، فعودة التيار بعثت الحياة التي توقفت على عتبة الانتظار شهران أو يزيد ، فأتت دفقة النور لتعيد للقلوب أملها ، و للحقول خضرتها ، وللعيون بريقها الذي غيبه الظلام .

 

و لأن في الأزمات تكشف معادن الناس ، فقد شهدنا كيف استغل تجار الثلج حاجة الناس العاجلة إليهم ، فرفعوا الأسعار بلا رحمة ، و استنزفوا جيوب المواطنين المنهكين من الظلام والحر و العطش ، و جعلوا من الثلج سلعة نادرة يصطف الناس لها في طوابير طويلة ، و إستغلوا ضيق الناس ليكون لهم فرصة للثراء السريع .

 

و لكن الأيام دول بين الناس ، فاليوم بعد عودة التيار ، تُركت قوالبهم تذوب أمامهم على الأرصفة دون أن يلتفت إليهم ، أحد ، فقد استعاد الناس برودتهم و كبرياءهم معاً .

 

ومن تحت ركام الاستهداف الممنهج لمحطات الكهرباء التحويلية ، إنبعث الأمل ، و تجلت الإرادة ، و إنها لشهادة ناطقة بأن العزم إذا اقترن بالإخلاص، فإن الإنجاز يصبح قدراً لا مفر منه .

 

و ها هي الشقيقة مصر ، تستجيب لنداء الواجب ، و تفتح أبواب التعاون الصادق ، ليطل علينا النور من رحم التكاتف ، فيثمر عن اتفاق إستراتيجي كريم ، زاد من حصة الكهرباء المخصصة للولاية الشمالية عبر مشروع الربط الشبكي المصري ، و إنها خطوة ليست بالهينة ، لأنها تعبر تحول مفصلي في مسار النهوض بالولاية ، و بداية لمرحلة جديدة بعد الدمار ، يبنى فيها الضوء كما يبنى الوطن ، بالصبر ، و الصدق ، و الإرادة ، فشكراً جزيلاً ، جميلاً لأم الدنيا مصر حكومةً و شعباً .

 

و باسم أهل الولاية الشمالية ، أرفع صوتي عالياً و أبعث نيابة عنهم أسمى آيات الشكر و العرفان لمعالي البروف محيي الدين نعيم محمد سعيد ، الذي وضع إحتياجات المواطن في صدارة إهتمامه ، و خاض معركة النور نيابة عن شعب عطش للضوء ، ليصير اليوم بفضل جهوده ، الضوء حقيقة ، لا وعداً مؤجلاً .

 

و لا يكتمل هذا العمل الوطني إلا بذكر اسم المهندس المستشار عبدالله أحمد محمد علي الذي نحب أن نناديه ب (أنشتاين) ، المدير العام لشركة كهرباء السودان القابضة ، الذي أدار دفة الأزمة ببصيرة و وعي ، وسار بها من العتمة إلى النور ، واضعاً سياسات توزيع عادلة ، و برمجة راشدة تُراعي محدودية الإمداد ، دون أن يغفل عن العدالة في التوزيع ، أو عن صوت المواطن المتعطش لكهرباء تضيء منزله و تسقي أرضه العطشة ، و تبقي على حلمه حياً .

 

و الشكر موصول كذلك إلى السيد والي الولاية الشمالية ، سعادة الفريق عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم ، الذي لم يخذل شعبه ، بل جعل هذا الملف في طليعة أولوياته ، فكان حاضراً في كل تفاصيله ، ساعياً بلا كلل ، و متابعاً عن قرب ، ليعيد النور إلى ولايته التي أحبها فبادلت حبه ثقةً و وفاءً .

 

ولا يسعنا إلا أن نخص بالشكر السيد وزير المالية بالولاية الشمالية ، الأستاذ أمير حسن بشير ، و المهندس عثمان أحمد عثمان ، وزير الإنتاج و الزراعة ، اللذين ضربا أروع الأمثلة في المسؤولية الوطنية ، حين توجها إلى العاصمة الإدارية بورتسودان ، و حملا معهما مطالب الولاية ، وعزما بكل إصرار ألا يعودا إلا و معهما ما يعيد الحياة لأهلهم ، (الكهرباء ، أو مصادر جديدة لإنتاجها) ، لم تكن رحلتهما نزهة ، و لكنها كانت وقفة رجالٍ أقسموا أن يكونوا مع الشعب قلباً وقالباً ، حتى يتحقق النور .

 

ولن ننسى أن نعبّر عن امتناننا العميق لسعادة الدكتور جبريل إبراهيم ، وزير المالية و التخطيط الاقتصادي الاتحادي ، الذي كان حاضراً بقلبه و دعمه ، و الشكر موصول على وجه الخصوص للأستاذ عبدالله إبراهيم ، وكيل وزارة المالية و التخطيط الاقتصادي ، وللسيد محمد بشار محمد ، وكيل التخطيط، اللذين أدارا من خلف الكواليس هذا المشهد بكل تعقيداته ليكون التنسيق المالي و التخطيطي سنداً لهذا الإنجاز العظيم .

 

وإن الشكر من بعد لله ، لمهندسي و فنيي الكهرباء ، أولئك الجنود الذين لم تذكرهم عدسات الإعلام كثيراً ، و لكنّهم كانوا في الميدان، يعملون بكل جد ، و يصلحون الأعطال ، و يجابهون التعب و الشدائد و المخاطر ، ليعيدوا النور إلى أعين الأطفال ، ولدفء البيوت ، و لحياة المدن و القرى و للزرع و الضرع .

 

فشكراً لكم جميعاً… فقد عاد التيار الكهربائي ، و عادت معه الحياة ، فالولاية الشمالية لا تنسى ، و التاريخ لا يغفل ، و كل بيت أنارته أيديهم ، سيذكر لهم هذا الجميل ، و كل قلب عاد ينبض بطمأنينة ، لن ينسى أن وراء هذا الاستقرار رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فالنور عاد… و عادت معه الحياة .

 

و ( نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين)

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!