أعمدة الرأي

من أعلى المنصة   ياسر الفادني  يكتب وَكُلُّ الحادِثاتِ إِذا تَناهَت فَمَوصولٌ بِها فَرَجٌ قَريبُ!

 

 

نعم، ضاقت حتى حسبنا أن لا مخرج، وتكسرت البلاد على حافة الجنون، واستباحتها المليشيا كما يستبيح الذئب الزرع والضرع والدار، جاؤوا بأحذية الغدر يدوسون على ما تبقّى من كرامة المدن، ينهبون، يحرقون، يقتلون، كأنهم لا يعرفون أن في هذا البلد شيئًا من الله، شيئًا من الكبرياء الذي لا يُكسر

 

أين هم الآن؟ أين طغيانهم؟ أين عربدتهم؟ ذابوا كالملح في ماء الحقيقة، تقهقروا، تراجعوا، وتواروا عن الأنظار، بعدما كانوا يتبخترون في الخراب كأنهم خالدون، هيبتهم التي رُسمت بالدم تهاوت كقشّة في مهبّ الريح، صارت ذكراهم لعنة تتقيأها الأرض كلما مشت فوقها خُطى الشرفاء

 

لكنّك، أيها المواطن، يا ابن هذا التراب، كم صبرت! كم جعت، وتوجعت، ودفنت أحبّتك بيديك، ثم رفعت كفّك إلى السماء تقول: حسبي الله. لم تبكِ هزيمة، بل بكيت وجعًا، وقلت: الوطن أولى، حتى لو مات القلب ألف مرة، وها هو الوطن اليوم يُنبت من دمك رايات نصر، ويُعيد إليك صوته، دفئه، وشكرك

 

عاد الأمان لجلّ المناطق، ليس صدفة، ولا هدية، بل ثمنه كان دمًا ودمعًا وصبرًا عمره عام وأكثر، عاد لأن الله لا يُسلم أرضًا يحرسها صدق النية ونبل الشهداء، عاد لأن القوات المسلحة لم تخن، لم تساوم، بل كانت السور الأخير، والعهد الذي لا يخون

 

والشعب؟ هذا الشعب العجيب، الذي كلما قيل انتهى، قال: أنا البداية. كلما نزف، مشى، كلما سقط، نهض، التفّ حول جيشه كمن يلتف حول آخر أمل، ثم صار هو الأمل

 

ما يحدث في السودان ليس نصرًا عاديًا، بل قيام من تحت الرماد، عودة من المقبرة إلى الحياة، والمشوار مستمر، والحقّ لم يكتمل، لكن الراية ارتفعت، والسواد انقشع، وما عند الله ليس ببعيد

 

إني من منصتي أنظر ….حيث اقول بمليء فيَّ لمن ظنّ أن الوطن سيُؤكل : هذا وطن لا يُؤكل، هذا وطن إذا سُرق منه النهار، أنبت فجرًا من عيون أطفاله.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!