منوعات

فريق شرطة(حقوقي) الطيب عبدالجليل حسين يكتب قراءات تدشين كتاب التشريع وصناعة القانون(إضاءات) 

 

فكرة الكتاب، مرجعيته موضوع رسالة دكتوراة في فلسفة العلوم 2012م، تحصل عليها الكاتب من دراسة في العلوم السياسية في جامعة الزعيم الأزهري كلية الدراسات العليا، والدراسة بعنوان جدلية العلاقات المتشابكة بين الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية في التشريع وصناعة القانون بالسودان 1989م – 2008م. وتوسعة لأغراض الرسالة المعرفية للكتاب، تناول الكتاب نماذج عن التشريع وصناعة القانون للفترة 2010م – 2011م، وللفترة 2019م – 2023م.

والمرجعية الأساسية للكتاب، درجة الدكتوراة، لتناولها مجموعة أوراق بحثية، تم إعدادها ضمن أعمال كلية الحقوق بجامعة بوستن الأمريكية Boston University قدمها نخبة من أساتذة علماء متخصصين في علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد والقانون والإدارة، إستقدمتهم جامعة بوستن من 99 دولة، وأطلق عليهم مجموعة الـ 99 Ninety nine Group. وخلال العام 2003م، 2005م، تم تجميع الأوراق البحثية، وصارت دليل إسترشادي للمشرعين والصائغين القانونيين. وللمعرفة العلمية عن التشريع وصناعة القانون، تمّ تداول بعض من تلك الأوراق البحثية ضمن أعمال ورشة عمل حول تطوير نموذج للصياغة التشريعية لبرلمانات الدول العربية، نظمها برنامج الأمم الإنمائي – برنامج إدارة الحكم في الدول العربية بالتعاون مع مجلس النواب اللبناني، بيروت/ لبنان 3 – 6 فبراير 2003م.

والتشريع وصناعة القانون في نظرية المعرفة، هو تصور عقلاني جمعي لحل المشاكل والمعضلات المستعصية التي لا حلول لها. ولذلك، التشريع وصناعة القانون في نظرية المعرفة، نظراً لمترادفات إصطلاح التشريع المستخدمة في العلوم السياسية، وصناعة القانون المتداولة إصطلاح فني في علوم القانون، المصطلحين المترادفين، يتناولان العلاقة بين القوانين والمعرفة البشرية، وكيفية صياغة التشريعات بناءً على الفهم الفلسفي والمعرفي والقِيمي للمجتمع؛ وفي التشريعات المعاصرة، يُنظر إلى القانون على أنه وسيلة لتحقيق العدل وضبط العلاقات الاجتماعية والمعاملات بين أفراد المجتمع؛ وتتأثر صياغة القوانين بالعوامل الاجتماعية والتاريخية والإقتصادية والثقافية والفكرية السائدة في المجتمع المتأثرة بمجاميع القيم الاجتماعية المعتبرة والمقبولة والمرعية من أعراف وعادات وتقاليد.

ومن نظرية المعرفة، ما يتصل بالتشريع وصناعة القانون، إتصالهما الوثيق بمبادئ أحكام الشريعة الإسلامية، بتوظيف مقاصد الشريعة الإسلامية في صياغة المعرفة القانونية، بإستثمار نظرية المقاصد الشرعية المقررة في الشريعة الإسلامية، لفهم جوهر القانون من مبادئ القانون الطبيعي والوجدان السليم والعرف، ومحاولة التوفيق بين الشريعة الإسلامية والنظم القانونية الحديثة (الإتفاقيات الدولية وقيم العولمة والعالمية الشارعة).

ومقصود التشريع وصناعة القانون في نظرية المعرفة، أن التشريع هو عملية وضع القوانين واللوائح التي تنظم المجتمع. والغرض من التشريع، هو تحقيق العدالة والاستقرار الاجتماعي. وأن مصدر التشريع، هو ضمير الجماعة الأمة، المُعبِر عن الإرادة الجمعية لإجتهاد الأمة، للتعبير عن الطرق والآليات المتواضع عليها لإدارة الشأن العام والخاص؛ والآليات المتواضع عليها هي الدستور والقوانين واللوائح. ومقصود صناعة القانون، هي عملية تحليل وتطوير القوانين واللوائح. وأن الغرض من صناعة القانون، هو تحقيق العدالة والاستقرار الاجتماعي. وصناعة القانون تقوم على أسس تشمل العدالة والمساواة والحرية.

وعموماً، التشريع وصناعة القانون في نظرية المعرفة، يتناولان كيفية، بناء المعرفة القانونية، وكيفية تحقيق العدالة، وكيفية تحقيق الاستقرار الاجتماعي، من خلال تحليل وتطوير القوانين واللوائح، بالقدر الذي يحقق قيم العدل Justice – بتطبيق القوانين بشكل متساوٍ على الجميع دون تمييز وفوارق، ووفقًا للقواعد القانونية المجردة، بما يحقق المساواة الشكلية بتطبيق القانون بنفس الطريقة على جميع الأشخاص، بغض النظر عن ظروفهم الخاصة، أي التطبيق المتساوي للقواعد العامة على الجميع. والعدالة Equity بمعنى الإنصاف، ومراعاة الظروف الفردية لكل حالة، لتحقيق نتيجة عادلة، أي العدالة تهدف إلى تصحيح أي ظلم قد ينشأ من التطبيق الصارم للقانون، وتأخذ في الإعتبار الفروق الشخصية والظروف الخاصة لكل فرد.

ونظرية المعرفة في التشريع وصناعة القانون، تتناول كيفية بناء المعرفة القانونية، لتنظيم روابط العلاقات الاجتماعية والمعاملات بين الناس في المجتمع (نظريات التشريع السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية). وأدواتها مناهج علوم معرفية متعددة ومتداخلة، تشمل مناهج العلوم الفلسفية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والتاريخية وعلوم الإدارة (مجاميع أفكارها ونظرياتها ومقاربات تطبيقاتها العملية). ونظرية المعرفة في التشريع وصناعة القانون، تؤثر على كيفية فهم وتطبيق القوانين.

وهذه القيم المعرفية عن التشريع وصناعة القانون، تناولها الكتاب في ستة فصول، وثلاثة مباحث لكل فصل من فصول الكتاب، بتناول التشريع وصناعة القانون بتفصيلات من، الواقع والتطبيق العملي في السودان، بدءاً من العهد الكوشي وحتي عهدنا المعاصر؛ وأيضاً من واقع الدراسات المقارنة، من تجارب الدول المؤثرة، والدول التي تأثر بها السودان، بحسب النظم السياسية والقانونية السائدة فيها. وتحديدا النظام الأنجلوسكسوني في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، دول الـ Common Law الذي يعتمد على السوابق القضائية، وعلى المرونة في تفسير القوانين المحددة للأحكام القضائية، بناءاً على السوابق القضائية لحالات سابقة مماثلة من الواقع والقانون؛ والنظام القاري اللاتيني في فرنسا دول الـ Civil Law الذي يعتمد على القوانين المكتوبة التي لها الدور الأساسي في تحديد الأحكام القضائية، والتطبيق الصارم للقوانين كما هي مكتوبة، دون الإعتماد على السوابق القضائية بنفس الدرجة الموجودة في النظام الأنجلوسكسوني؛ والتجربة المصريه، خليط من النظامين ومبادئ الشريعة الإسلامية، ميلاً نحو النظام اللاتيني القاري التقنيني التدويني السائد في فرنسا.

ومنهجية الكتاب في المعرفة، خرجت عن المنهجية التقليدية المتبعة في الكتابات والأبحاث العلمية والمعرفية، لوضع الكتاب منهجية مناسبة لدراسة التشريع وصناعة القانون كعلم منفصل ضمن دراسات متخصصة أخرى في الدراسات البرلمانية ودراسات علوم القضاء، بإستخدام المنهج السوسيولوجي بالنظر في مؤسسات التشريع الثلاثة(السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية)، أنها مؤسسات أو نسق إجتماعي من ناحية البناء والوظيفة، يؤدون وظائف مستقلة، لكن بينهما تعاون وتنسيق، دونما تعدي سلطة على الأخرى. وهذه المنهجية، ساعدت كثيراً على تفكيك بنية المؤسسات التشريعية الثلاثة، لمعرفة ما فيها وما عليها من صراعات في المصالح؛ والكتاب إستخدم منهجيات إقتصاديات السوق، بالنظر إلى أصحاب المصلحة الـ Stakeholders الرئيسيين والثانويين المستفيدين من خدمات المؤسسات التشريعية الثلاثة. وفحص مردودات الخدمة في الرضاء والقبول، وما تحققه الخدمة التشريعية من قيمة مضافة Addition Value من جودة العمليات التشريعية الشكلية والإجرائية، إقتراعاً لمشروع القانون في السلطة التشريعية، وإبتداراً لمشروع القانون في السلطة التنفيذية، ومدى جودة القواعد التشريعية للقوانين، من حيث الفاعلية والأثر للقوانين. وجودة العمليات القضائية في السلطة القضائية، من حيث مقومات تميز المحاكم في السلطة القضائية، وجودة الأحكام القضائية؛ وما يترتب عليهما من نتائج تحقيق التشريع للأمن العدلي، وتنفرد به السلطة التشريعية وشريكتها السلطة التنفيذية. وتحقيق نتيجة الأمن القضائي، والذي هو عمل قضائي بحت، تنفرد به السلطة القضائية.

ومؤدى الأمن القانوني والأمن القضائي، الوقوف على عوارات التشريع في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. وكشف عوارات الأحكام القضائية في محاكم السلطة القضائية، نظراً لفساد وإنعدام الأحكام القضائية، سواء على درجة جسامة الخطأ في أي من أركان الحكم القضائي، دون درجة البطلان في الحكم القضائي. وفحص أسباب مشكلة التشريع، إن كان بسبب تعدد التشريعات وإستسهالها من الحكومة لخلل في بنية المجتمع أو الحكومة؟ أم للتدخل المتعدد من الحكومة في شئون المجتمع، لتبسط الحكومة سيطرتها على المجتمع؟ أم لتصادم القواعد التشريعية مع أعراف وعادات وتقاليد مستقرة في المجتمع؟ وأيضاً فحص أسباب الخطأ في الأحكام القضائية، هل لعلل في القوانين؟ أو سوء قدرات تأهيل القضاة ومعاونيه في المحكمة؟ أو فساد القضاة ومعاونية في المحكمة؟ أو فساد المتعاملين مع المحكمة؟

هذا إيجاز عمومي لموضوع الكتاب، وحاولت توصيل مجمل المعرفة من إستعراض محتوى الكتاب، أتمنى أن أكون قدمت شيء من فيض، والعلم بحر لا ساحل له.

فريق شرطة(حقوقي)

الطيب عبدالجليل حسين

المحامي إستشاري القانون والموثق

01 / 06/ 2025م

 

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!