أعمدة الرأي

عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان يكتب من هو وزير الداخلية القادم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

نحن اليوم أمام مفترق طرق مهم في تاريخ السودان. تواجهنا تحديات كبيرة على الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وكلها تتطلب قرارات شجاعة واختيارات دقيقة، خاصة في المناصب التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.

 

وفقًا للوثيقة الدستورية لعام 2019 وتعديلاتها في 2025، أصبح تعيين وزيري الدفاع والداخلية من صلاحيات مجلس السيادة، بعد ترشيحهم من القيادات النظامية. والوثيقة واضحة في أن من يشغل منصب الوزير يجب أن يكون نزيهًا وكفؤًا، وذو خبرة إدارية وعملية مناسبة.

 

أما بالنسبة لوزارة الداخلية، فغالبًا ما تتوفر هذه المعايير في ضباط الشرطة، سواء كانوا في الخدمة أو متقاعدين. ومنذ بداية الفترة الانتقالية الأولى، كان من المعتاد أن يُسند هذا المنصب لضابط شرطة، لأن “المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا”. لذلك، نتوقع أن يكون وزير الداخلية القادم من داخل المؤسسة الشرطية، و حواء الشرطة ولود.

 

في خطاب السيد الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء، وضع ست أولويات، من بينها أربعة ترتبط مباشرة بالشرطة، وهي:

1. سيادة القانون.

 

2. إدارة الفترة الانتقالية.

 

3. تحقيق الأمن والاستقرار.

 

4. دعم الاستشفاء الوطني والحوار ونبذ العنصرية.

 

وهذا يعني أن المهام التي تنتظر وزير الداخلية القادم ليست سهلة، ولا يمكن التعامل معها بشكل شكلي أو مجاملة سياسية.

 

السؤال المهم هنا: ما هي الصفات التي يجب أن تتوفر في هذا الوزير؟ وما هي أولوياته في هذا الوقت الحرج؟

 

أولًا: المهام الثقيلة بعد الحرب

وزارة الداخلية تواجه تحديات غير مسبوقة، مثل غياب مؤسسات الدولة في مناطق معينة، ضعف الوجود الشرطي، ارتفاع معدلات الجريمة والتهريب والهجرة غير النظامية، انتشار السلاح، والبطالة، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة. لهذا، نحتاج وزيرًا لديه رؤية استراتيجية شاملة، يعيد بناء المؤسسة الشرطية على أسس توازن بين تطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان، ويرفع هيبة الدولة بالعمل والانضباط لا بالشعارات فقط.

 

ثانيًا: الشباب والكوادر.. نزيف مستمر

تواجه الشرطة أزمة حقيقية مع عزوف الشباب عن الالتحاق بها، بسبب تدهور صورتها وبيئة العمل. ومع موجة الاستقالات والهجرة والإرهاق الاقتصادي بين الكوادر، فإن من أولويات الوزير المقبل هو إطلاق برامج لإعادة التأهيل والتطوير المهني والنفسي، لاستعادة الثقة وترسيخ قيم الانتماء والاعتزاز بالعمل الشرطي.

 

ثالثًا: تحسين الرواتب والمعاشات .. ضرورة لا تؤجل

لا يمكن أن نطالب رجال الشرطة بالتضحية بينما هم غير قادرين على تلبية احتياجات أسرهم الأساسية. تحسين الرواتب و المعاشات وظروف العمل ليس ترفًا، بل هو أساس بناء جهاز شرطي قوي ونظيف. حتى الأمم المتحدة تؤكد أن تحسين حياة الشرطي خطوة مهمة لمحاربة الفساد. لذلك، على الوزير أن يكون له موقف قوي داخل مجلس الوزراء، ويطالب بميزانية استثنائية تدعم الشرطة وتعزز قدرتها على أداء مهامها بكرامة.

 

رابعًا: علاقة متوازنة مع القيادة الشرطية

نجاح الوزير يقاس بقدرته على التناغم مع قيادة الشرطة، لا بالتدخل في كل تفاصيل العمل المهني. نحتاج وزيرًا يدرك الدور السياسي دون أن يتجاوز على الدور المهني، يعمل جنبًا إلى جنب مع المدير العام وقادة القوات، يوجه ويدعم ولا ينازع أو يتدخل بشكل مفرط.

 

خامسًا: التعديل الدستوري 2025 ومسؤوليات جديدة

التعديل الأخير صنّف الشرطة والسجون والدفاع المدني والجمارك والحياة البرية كقوات شرطة نظامية قومية، وأكد على وجود مدير عام واحد للشرطة. هذا يعني أن قادة الوحدات الأخرى أصبحوا “مدراء قوات” وليسوا “مدراء عامين”، وتكون تبعيتهم الإدارية للمدير العام لقوات الشرطة، وليس للوزير مباشرة. العلاقة بين هذه القوات والوزير تمر عبر مجلس الوزير الذي يضم المدير العام ومدراء القوات. هذا التعديل يحافظ على وحدة القيادة ويعترف بتنوع القوات.

 

سادسًا: نريد وزيرًا لا موظفًا

نحن لا نريد وزيرًا تُفرض عليه الترضيات السياسية أو المجاملات. نريد شخصية وطنية مستقلة، تفهم المرحلة، وتخاطب الناس بلغة تطمئن لا تخيف. شخصية حاسمة عندما يتطلب الأمر، ومرنة عند الضرورة. تؤمن بالتحديث والتكنولوجيا، تفتح الوزارة للإعلام والمجتمع، وتربط بين الأمن وإعادة الإعمار والتنمية.

 

ختامًا:

لسنا بحاجة إلى وزير يختبئ خلف الملفات، أو يرفع الشعارات فقط. نريد قائدًا ميدانيًا وديوانيًا في نفس الوقت، يحمل رؤية واضحة، ويتخذ قرارات حاسمة، ويخرج إلى الشارع ليرى بنفسه معاناة المواطن والشرطي. نريد وزيرًا يعيد للمؤسسة هيبتها، يحمي منسوبيها ويبني جسور ثقة مع المجتمع.

 

وأخيرًا، هناك نقطة مهمة تتعلق بالتراتبية يجب أن نأخذها في الاعتبار، وهي أن يكون وزير الداخلية من دفعة أقدم من دفعة المدير العام للشرطة. قد يعتقد البعض أن هذا غير مهم لأن الوزير خارج هيكل الشرطة التنظيمي، وهذا صحيح، لكن من الحكمة ولأسباب عديدة أن يكون الوزير من دفعة أقدم.

 

هل نتمكن من إيجاد من يجمع كل هذه الصفات؟ ربما، لو تجاوزنا الحسابات الضيقة ووضعنا الوطن فوق كل اعتبار.

 

عميد شرطة (م)

عمر محمد عثمان

2 يونيو 2025م

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!