عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان يكتب الشرطة السودانية بين الإنسانية واليقظة الأمنية

في أول أيام عيد الأضحى المبارك، وبينما كانت شوارع العاصمة ما تزال تسترجع أنفاسها تحت وطأة الحرب، قام السيد الفريق أول شرطة خالد حسن محيي الدين، وزير الداخلية المكلف والمدير العام لقوات الشرطة، بزيارة تفقدية لعدد من الإدارات الشرطية، كان من أبرزها الإدارة العامة للشرطة الأمنية – القوة الخاصة – المكلفة بتأمين الجسور الحيوية بولاية الخرطوم. وما لفت انتباهي في الزيارة هو حديثه المباشر للقوات حين وجههم بـ”حسن التعامل مع المواطنين مع التحلي باليقظة والحس الأمني الدقيق”.
رغم أن هذا التوجيه مألوف ومذكور في قوانين و لوائح الشرطة، فإن سماعه بهذا الوضوح من رأس المؤسسة في هذا التوقيت له دلالة كبيرة. الشعب السوداني مرّ خلال العامين الماضيين بتجارب مريرة، حيث تعرض لسوء معاملة المليشيا، انتُهكت كرامته وضاعت حقوقه الأساسية. ومع ذلك، بقي صامداً ومؤمناً بوطنه وبالدولة كمفهوم ومرجعية.
لذا، فإن هذه التوجيهات ليست مجرد تعليمات ميدانية، بل التزام أخلاقي وقانوني من قيادة الشرطة بأن الشعب يستحق الاحترام. والشرطة كمؤسسة نظامية يجب أن تفرق بين القوة المشروعة والتعسف، وبين فرض الأمن والإفراط في السلطة.
وكما قال السيناتور الأمريكي إيرل وارن:
“The police must obey the law while enforcing the law.” – Earl Warren
“يجب على الشرطة أن تطيع القانون أثناء قيامها بتطبيق القانون.” – إيرل وارن
هذا الاقتباس يلخص جوهر العلاقة المطلوبة بين رجل الشرطة والقانون والمواطن. فالسلطة يجب أن تُمارس ضمن إطار الالتزام الكامل بالقانون وروحه، لا نصوصه فقط.
ولم يغفل المدير العام التوازن المطلوب، حين ربط حسن المعاملة باليقظة الأمنية، فكلاهما وجهان لعملة واحدة. جهاز الشرطة لا يمكنه النجاح دون كسب ثقة الناس، ولا حماية الناس دون يقظة أمنية مدركة لحجم التهديدات.
هذا التوجيه للقوة الخاصة يجب فهمه كرسالة شاملة لكل القوات الشرطية، بما فيها الإدارات الخدمية مثل الجوازات والسجل المدني والمرور. فطريقة معاملة المواطن داخل أي مرفق شرطي ترسم في ذهنه صورة الدولة، سواء سلباً أو إيجاباً.
بالتالي هذه ليست دعوة لتحسين الأداء فقط، بل لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن ورجل الشرطة على أسس جديدة: الاحترام، العدالة، المهنية. وفي ظل الظروف الراهنة، يجب بناء هذه العلاقة بعناية، إذ لا مجال لارتكاب أخطاء إضافية.
ختاماً، ما قاله المدير العام يجب ألا يُنسى بعد العيد، بل يتحول إلى ثقافة مؤسسية تُترجم في السلوك اليومي، وتعزز بالتدريب، وتُحاسب حال الخروج عنها. فكرامة المواطن ليست ترفاً، بل أساس الأمن نفسه. وإذا كانت الشرطة “حامية القانون”، فإن أول من يجب أن يحترمه هو رجل الشرطة نفسه.
٧ يونيو ٢٠٢٥م