د. الشاذلي عبد اللطيف يكتب نحو جهاز دولة رقمي: توصية استراتيجية للتحول الرقمي في الموارد البشرية والخدمات المشتركة

 

في خضم مرحلة الإعمار التي تمر بها جمهورية السودان، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس عصرية تواكب متغيرات العصر ومتطلباته. لقد بات واضحاً أن الإدارة التقليدية لم تعد قادرة على تلبية تطلعات المواطنين ولا على مجاراة وتيرة التغيير العالمي في نظم الحوكمة والخدمات العامة.

 

ومن هذا المنطلق، فإن تبني استراتيجية وطنية للتحول الرقمي في مجالي إدارة الموارد البشرية والخدمات المشتركة داخل أجهزة الدولة، وتحديداً ضمن وزارة الخدمة المدنية، يُعد خطوة محورية في طريق النهوض بالأداء الحكومي، وتعزيز كفاءة الجهاز الإداري، وتحقيق مبدأ الشفافية والمساءلة.

 

أولاً: التحول الرقمي في إدارة الموارد البشرية

 

يمثل رأس المال البشري العمود الفقري لأي نهضة مؤسسية، ولذلك فإن تطوير نظم إدارته يمثل أولوية قصوى، من خلال:

 

1. أتمتة العمليات الإدارية:

رقمنة عمليات الرواتب، والإجازات، والمزايا الوظيفية، وسجلات الحضور والانصراف، بهدف تقليل الأخطاء اليدوية وتخفيف العبء الإداري.

 

2. تطبيق أنظمة موارد بشرية سحابية:

استخدام أنظمة مثل Oracle HCM أو حلول محلية فعالة لإدارة بيانات الموظفين، تقييم الأداء، والتخطيط المهني، بما يضمن مرونة في التشغيل ودقة في البيانات.

 

 

3. توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي:

للاستفادة منها في عمليات التوظيف، وتحليل كفاءة القوى العاملة، وتوقع الاحتياجات المستقبلية، مما يسهم في اتخاذ قرارات مدروسة في التعيين والتطوير.

 

4. تحليل البيانات لدعم القرار:

عبر مؤشرات أداء دقيقة وتحليلات اتجاهية تُمكن متخذي القرار من الاستجابة السريعة للتحديات وتوجيه الموارد بفعالية.

 

ثانياً: التحول الرقمي في الخدمات المشتركة

 

تمثل الخدمات الإدارية والمالية الركيزة الأساسية لاستقرار الجهاز الحكومي، ويمكن تطويرها من خلال:

 

1. أتمتة العمليات المالية والإدارية:

رقمنة أنظمة الشراء، والصرف، والمحاسبة، ما يساهم في تقليص الهدر وتحقيق أعلى درجات الشفافية المالية.

 

2. إنشاء أنظمة سير عمل رقمية:

لتتبع المعاملات وتبسيط الإجراءات، والحد من البيروقراطية الورقية التي تعيق سير العمل وتقلل من كفاءته.

 

3. إطلاق منصات سحابية وطنية موحدة:

مثل أنظمة SAP أو حلول وطنية متكاملة، تتيح التكامل بين الإدارات وتعزز أمن البيانات وسهولة الوصول إلى المعلومات.

 

 

4. تعزيز أدوات التحليل والتقارير:

بما يتيح للمسؤولين تتبع الأداء المؤسسي وتحديد فرص التحسين، وتحقيق الجودة الشاملة في تقديم الخدمات.

 

الفوائد المتوقعة

 

تحسين الكفاءة المؤسسية والإنتاجية.

 

تعزيز تجربة الموظف ورفع معدلات الرضا الوظيفي.

 

خفض التكاليف التشغيلية على المدى القصير والطويل.

 

تمكين القيادة الحكومية من اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة.

 

التحديات المحتملة

 

إدارة التغيير المؤسسي لضمان استيعاب الموظفين لأهمية التحول الرقمي وخلق ثقافة داعمة له.

 

تكامل الأنظمة الجديدة مع القديمة دون تعطيل الخدمات القائمة.

 

ضمان أمن المعلومات والخصوصية وفق أفضل الممارسات العالمية.

 

توفير برامج التدريب والتأهيل لبناء قدرات رقمية مستدامة لدى العاملين.

 

إن التحول الرقمي لم يعد ترفًا إداريًا، بل أصبح شرطًا أساسيًا لنهضة الدولة الحديثة. ومن هنا، نوصي بإدراج مشروع التحول الرقمي في الموارد البشرية والخدمات المشتركة ضمن أولويات وزارة الخدمة المدنية في مرحلة الإعمار، على أن يتم إعداد خارطة طريق تنفيذية واضحة، تقوم على الجاهزية التقنية، والتكامل المؤسسي، وتُبنى من خلال شراكات وطنية ودولية فعالة.

 

إن الرهان على الرقمنة ليس مجرد رهان تقني، بل هو رهان على المستقبل، وعلى الإنسان السوداني، وعلى وطنٍ يسعى ليأخذ مكانه بين الأمم بكفاءة وكرامة.