أعمدة الرأي

حسن فضل المولي يكتب شيخ الزين

 

 

إسمٌ أنيس ..

فما أن يلامس سمعك ، 

حتى ترتسم صورته أمامك وهو 

قائم ( بالقرآن ) ، 

فتغشاك راحة منه ، 

و تغمرك محبة له ..

و هذا ما يسبغه عليك ( القرآن ) ، 

فبقدر اقترابك منه ، 

يكون صلاح حالك ، 

و سكينة نفسك ، 

و النور الذي يسعى بين يديك ، 

و إقبال الناس عليك .. 

و الذي يحمل قدراً من ( القرآن ) 

بحق و قوة ، و صدق ، 

يأتيك من تلقائه ما يريحك ، 

فما بالك بمن يحمل كل ( القرآن ) .. 

 

ليس بالأمر السهل أن تحفظ 

عن ظهر قلب ( القرآن ) ..

و من الصعوبة بمكان أن تُبقي 

على حفظك ( للقرآن ) .. 

و الأصعب أن تتخلق ( بالقرآن ) .. 

و بكل تأكيد .. 

هنالك من يُيَّسِر الله لهم ذلك 

و يوفقهم إليه ، 

و هم درجات ، 

بعضم فوق بعض ، 

يسعى نورهم بينهم ،

و يستضيىء به من هم دونهم .. 

 

في كل ( رمضان ) ، 

أقطع أن كثيرين كان يسعدهم ، 

غاية السعادة ، 

ذلك الاصطفاف الخاشع ، 

خلف شيخ ( الزين ) بمسجد 

( سيدة سنهوري ) ، 

و هو يتلو ( القرآن ) بصوت ندي 

و مليحٍ و منغم .. 

و كل أولئك الذين كانوا يتقاطرون 

من كل ناحية ، 

و الذين يتابعون من على البعد ، يفتقدون في هذا الشهر ، 

تلاوة ( شيخ الزين ) ، 

في صلاة ( العشاء ) ، و ( التراويح ) ، 

و ( التهجد ) ، 

بفعل أشرار أشقياء ، 

أخرجوا الناس من بيوتهم ، 

و منعوا مساجد الله أن يُذكر 

فيها اسمه ، 

و سعوا في خرابها ..

 

و الناس إذ يُعَظِّمون ( القرآن ) 

بتجويد تلاوته ، فإنهم يُقبلون 

بوَجدٍ و شغف على من يُرَتل 

( القرآن ) ترتيلا .. 

قال تعالى : 

( وَ رَتِّلِ القُرآنَ تَرْتِيلا ) .. 

يعني .. 

و بيِّن القرآن إذا قرأته تَبْيينا ،، 

و ترسَّل فيه تَرَسُلاً ،، 

و اجعل بعضه على أثر بعض ، 

على تُؤَدة .. 

و الترتيل في اصطلاح علماء 

( التجويد ) معناه .. 

أن يلفِظ الحروف كما ينبغي 

من غير إسراع ، 

فكلما أنهى حرفاً جاء بالذي 

بعده مع الإتيان بالحرف كما 

ينبغي الاتيان بحقه .. 

 

و حملة ( القرآن ) .. 

ما أكرمهم إلا كريم ، 

و ما احتقرهم إلا حقير ..

فمن أغناه الله منهم و أغدق 

عليه ، فذلك بفضل ( القرآن ) ، 

و من عاش منهم فقيراً أو مسكيناً ، 

فبذلك قضى ( الرحمن ) .. 

و في كلٍ خير ..

لذا فإن حق حملة القرآن علينا ، 

أن نغبطهم ، 

و نُقَدِّمهم ، 

و نجلهم ، 

و نُحسن بهم الظن ، 

إذا ما اتقوا الله فيما حفظوا ، 

و ابتغوا به إليه الوسيلة ..

 

و شيخ ( الزين ) ، يعتقل عقلك 

و فؤادك و هو يتلو القرآن ، 

و يحمل إلى وجدانك صدى 

( أصوات ) ، عَمَرت حياتَك ، 

و أضاءت نواحيك .. 

أصوات تتعاقب عليك كل 

أيام عمرك .. 

و ترافقك منذ الصغر إلى 

يومك هذا .. 

فلكل منا حيث نشأ ، ( قارئ )  

و أكثر ، 

تظل ( تلاوتهم ) تلازمه 

طوال سني عمره .. 

و لكل منا قرَّاء يَجِد في الاستماع 

إليهم راحة عظيمة ، 

و يهاجر إليهم .. 

و هم عشرات ، 

و مئات ، 

و ألوف من الحفظة و القراء ، 

الذين أضاؤوا بين ( السموات ) 

و أرض ( السودان ) بنور ( القرآن ) ..

فمن منا لم يمتلىء بصوت 

الشيخ ( عوض عمر الإمام ) .. 

و من منا لم لم يسكن لصوت 

الشيخ ( صديق أحمد حمدون ) .. 

و لكلٍ طريقته و حلاوته .. 

الشيخ ( عوض عمر الإمام ) ، 

في تلاوته قوة ، تحسهُ وهو 

 ممسك بك ، 

يسرع ثم يبطئ ، 

و يعلو و يهبط ، 

و يقبض و يبسط ، 

و أنت في نشوة و استغراق 

وخشوع .. 

و الشيخ ( صديق أحمد حمدون ) ، 

يأتيك صوته في منتهى العذوبة 

و السلاسة و الرقة ، فيحملك إلى الملكوت الأعلى قريراً هانئاً.. 

و أذكر هنا شيخنا ، 

( الخليفة أحمد مجذوب الكتيابي ) ، 

رحمه الله ، و الذي تعلقت كأشد 

ما يكون التعلق بنداوة صوته 

و طراوته و عذوبته .. 

و كل من يقرأ كلامي هذا ، 

سيذكر عدداً غير قليل من 

( القرَّاء ) الذين يأنس إليهم 

و يرتاح .. 

 

و نحن السودانيين ، آذاننا 

و أفئدتنا ، كلِفة و مفطورة على 

حب المُرَتلين ( القرآن ) ترتيلا .. 

نتابعهم في الجهات الأربع ، 

نتابعهم من خلال ( المذياع ) ، 

و ( أشرطة الكاسيت ) ، 

قبل أن تعم ( الشاشات ) ، 

و يشتعل الكون ( إنترنتاً ) .. 

و الأقرب إلى وجداننا ( مصر ) ..

فتجد من يستمع إلى الشيخ ( الحصري ) ، 

وتجد آخرين الشيخ ( المنشاوي ) ،

و كثيرين الشيخ ( عبدالباسط عبدالصمد ) .. 

و هم كُثُر .. 

و اليوم ..

تشتد المتابعة لأئمة الحرمين 

الشريفين .. 

الشيخ ( عبدالرحمن السديس ) ، 

و الشيخ ( سعود الشريم ) ، 

و الشيخ ( سعد الغامدي ) .. 

و هم كُثُر .. 

و أنا ، أكرمني الله بالصلاة بمسجد 

الرسول ﷺبالمدينة المنورة ، 

 لما يقارب الأربعة أعوام ، 

خلف شيخ القراء 

 ( علي عبدالرحمن الحذيفي ) ، 

و رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً ، 

فلا أزال أجد صدى تلاوته ، 

يملأ عليَّ الآفاق .. 

آفاق نفسي ، 

و الآفاق من حولي .. 

و إني لأسمعه و أحسه و أراه .. 

 

( شيخ الزين ) إنسان بسيط ، 

ودود ، 

هين .. 

تدعوه فيستجيب بسماحة ، 

و تستقرئه تبركا و تذكيرا ، 

فيتلو عليك ما تيسر .. 

و إذا لقيته فإنه يُقبل عليك 

بحرارة و مودة .. 

مرة ترافقنا إلى دعوة أحد 

الأصدقاء ، 

كنت سعيداً بصحبته .. 

و قبل أن ينفض السامر استجاب 

لرجاء صديقنا صاحب الدار ، 

بأن يتلو علينا ( سورة يوسف ) .. 

و كحال كل من يقرأ هذه 

السورة ، لم يتوقف إلا عند

 خاتمتها .. 

( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ 

لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا 

يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي 

بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ 

وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .. 

نعم .. 

فيها عبرة لأولي الألباب .. 

إذ أنها السورة التي بدأت بالرؤيا ، 

و انتهت بتحقيقها ، 

و كأن الله يخبرنا أن الأحلام في متناولنا ، 

و أن ننتظر اليسر بعد العسر ، 

و العودة بعد الغياب ، 

و الفرح بعد الحزن ، 

و الفرج بعد اشتداد الكرب ، 

و العلو والرفعة بعد الضعف ، 

و أن لا نيأس و إن طال العهد

و انقطع ، 

( اذهبوا فتحسسوا من 

يوسف ) .. 

و كيف أن الصراع بين الخير 

و الشر محسوم في النهاية .. 

محسومٌ لمعاني الخير ، 

و محسومٌ لمقاصد الخير ، 

و محسومٌ لصُنَّاع الخير .. 

 

لا تطغيك اللحظة ، 

و لا تُهِينك اللحظة .. 

أنت في قمة ضعفك قد يُحْدِث 

الله أمراً فتقوى و تشمخ ، 

و أنت في أوج قوتك قد يُحْدِث 

الله أمراً فتضعف و تتلاشى .. 

سيدنا ( يوسف ) ، عليه السلام .. 

و هو صغير ، 

يرى في المنام أحد عشر كوكباً 

و الشمس و القمر له ساجدين ، 

و يقص رؤياه على أبيه فيأمره ، 

( لا تقصص رؤياك على إخوتك ) 

ذلك أن الكيد قد يأتيك من أقرب 

الناس إليك .. 

في وقتها يبدو الأمر و كأنه ضرب 

من الخيال الشاطح .. 

و بعدها .. 

الإخوان يغيظهم حب أبيهم 

له من دونهم ، 

و يتآمرون عليه ..

( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً 

يَخْلُ لكم وجه أبيكم ) ، 

إنها الأنانية في أبشع تجلياتها ، 

 و إنه الإجرام في أقبح صوره ، 

و أقبح الإجرام الذي يرتكبه في 

حقك شقيق أو صديق أو 

رفيق طريق .. 

و هو سلوك مركوز في البشر 

منذ ابني آدم .. 

( و طوَّعت له نفسُهُ قتل أخيه 

فقتله فأصبح من الخاسرين ) .. 

و ينَفِّذون جريمتهم النكراء بأن 

جعلوه في غيابة الجب ، 

و هو وضع يتلازم فيه الضعف 

مع ظلمة القاع ، فيتضاءل أي 

أمل في السلامة و النجاة .. 

و يقدِّر الله أن يلتقطه عابرون 

للطريق ، 

ويبيعونه بثمن بخس ، دراهم 

معدوادات ، مع زهد فيه ، 

و عدم حرص عليه .. 

 

و ياترى .. 

كيف لو علم يومها هؤلاء 

الزاهدون فيه ما سيصير إليه ، 

من رفعةٍ و علو شأن !! 

و لولا ما يحجبه الله عنا ، لتغيرت 

نظرتنا إلى كثيرين ، باعتبار 

ما سيصيرون إليه ، 

رفعةً ، 

أو انحطاطاً .. 

فلو كشف الله لنا المآلات ، 

لرأينا أيَّ عُلُو ينتظر هذا الضئيل 

الصغير ، 

و أي هاوية سحيقه تنتظر 

هذا المتغطرس الشرير .. 

و ( عزيز مصر ) الذي اشتراه ، 

يوصي امرأته بأن تكرمه و تحسن 

معاملته ، لعله ينفعهم أو يتخذونه 

ولدا .. 

و تراوده التي هو في بيتها ، 

بكل نزق ، و تهور ، و شبق ، 

و اشتهاء .. 

 و هي من هيَّ ،

 جمالاً و مكانة .. 

و هو من هوَ ، 

شباباً و وسامةً .. 

و هذا نوع من الابتلاءات التي 

التي يصفق لها (إبليس) و يرقص ، 

فلا يصمد أمامها خلق كثير .. 

و لكن ، هذا سيدنا ( يوسف ) ، 

عليه السلام .. 

( قال رب السجنُ أحبُّ إليَّ مما 

يدعونني إليه ) .. 

و مكث حبيساً في ( السجن ) سنينا .. 

و من ( السجن ) ، 

و بعد أن حصحص الحق ، 

و تجلى ما آثره الله به من فضل ، 

و علَّمَه من تأويل الأحاديث ، 

ها هو يقوم على خزائن الأرض ، 

( مكينٌ أمين ) ، 

و ( حفيظٌ عليم ) ، 

و يتبوأ من الأرض حيث يشاء ، 

و أحد عشر كوكباً و الشمس 

و القمر له ساجدين .. 

لقد حاز كل أطراف التمكين ، 

و التمَلُّك ، و الإجماع ، و السطوع 

و السلطان المطلق ، 

و هو في هذه العلياء ، لم يسعى 

للثأر لنفسه ، و ترَفَعَ عن كل 

مالحق به من ضرٍ و أذى و كيد ..

( قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ 

اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .. 

 

و في سورة ( يوسف ) من الدروس 

و العبر و العظات ، ما علِمنا منها 

و ما لم نعلم .. 

و هو شأن كل سورة ، و كل آية 

و كل حرف ، من كلام الله عز 

وجل .. 

و القرآن يعطيك و يفتح عليك ، 

من كنوزه و أسراره و فيوضاته ، 

بقدر احساسك به ، و أنت تقرأه 

و تستمع إليه ..  

احساسك ، 

 أنه كلام الله إليك أنت ، 

و أنت المخاطب به ..  

يأمرك أنت ، 

و ينهاك أنت ، 

و يعلِّمُك أنت ، 

و يقصص عليك القصص أنت ، 

فإذا قرأت ( القرآن ) بهذا الاحساس 

و اليقين ، نلت حظاً عظيماً ببلوغ 

درجة ( الاحسان ) ..  

قالوا .. 

( إذا أردت أن يكلمك الله فعليك 

بقراءة القرآن ، 

و إذا أردت أن تكلم الله فعليك 

بالدعاء ، 

و إذا أردت أن تكلم الله و يكلمك 

فعليك بالصلاة ) .. 

 

و عندما فرغ شيخ ( الزين ) ، 

من تلاوة سورة ( يوسف ) ، 

و عاد إلينا ، 

و عُدنا إلى بعضنا ، 

بدا و كأنه قد أفرغ قلوبنا من 

كل ضيق و كدر ، 

و غسل نفوسنا من كل هم 

و حزن .. 

و صِرنا ، 

و مِلء ُجوانحنا ..

( و لا تيأسوا من رَّوْحِ الله إنه لا 

ييأس من رّوْحِ الله إلا القومُ 

الكافرون ) .. 

و الحمدلله ..

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!