أعمدة الرأي

أُسَيْديات الثلاثاء عثمان الشيخ الأسيد يكتب مضى عامٌ ومضى بعضُك

 

ينتهى عامٌ ويبدأ عام جديد، ولكل بدايةٍ نهاية، ولكل حكايةٍ خاتمة.. يا ابن آدم، إنما أنتَ أيامٌ، إذا ذهبَ يومٌ، ذهب بعضُك..

انتهت فصولُ العام الماضي ولم تُخْتَم الحكايةُ بعد. لا زال العرضُ مستمرًا، ومسرحُ الحياةِ مفتوحًا، والناسُ قادمين ومغادرين، منهم من يستعجل، ومنهم من يمكث أطول.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أطولكم أعمارا في الإسلام إذا سدّدوا).. أنتهى الحديث. ولاننسى الشرط (اذا سددوا).. عشراتُ الآلاف من الأعوام منذ أن خرجنا من صلب ابونا (شيث).. أما شيث- عليه السلام- فهو النبي الثاني بعد [[آدم عليه السلام]]، هو أحدُ أبناءِ آدم وحواء، والأخ الأصغر لهابيل وقابيل، فلا تعتقد انك من أحفاد قابيل القاتل، لأن قابيلَ هلكت عائلتُه بطوفان نوح بسبب ارتكابهم الذنوب مثل الزنا، وشرب الخمر، وعبادة النار، واللعب بآلات اللهو، ولم يبقَ سوى عائلةُ (شيث) ونحن منهم والله يستر علينا.. (التاريخُ لا يُعيد نفسَه، ولكن الاحداث تتشابه).. كانت ولادةُ شيث هديةً من الله لآدم، مقابل موت ابنه هابيل. ومن هنا عُرف باسم (هبة الله).. ومن خصائص النبي شيث أن جميعَ أنسابِ بني آدم عليه السلام ترجع إليه، وكان عمره- عند وفاته- 912 عامًا.. كل ما ذكرتُه أعلاه حسب المصادر التاريخية، ولا يخلو من اسرائليات. كل ما يهمنا في هذا الامر هو تعاقبُ الازمان وتوالي الأعوام وكل عام وانتم بخير.. سألوا أحدَ المعمرين- واسمه الفزاري- كان قد عاش 420 عامًا: ماذا رأيتَ في حياتك؟ فقال: رأيتُ الدنيا ليلةً في أثر ليلةٍ، ويومًا في أثر يومٍ، ورأيتُ الناسَ بين جامعِ مالٍ مفرّق، ومُفرِّق مالٍ مجموع، وبين قويٍ يظلِم وضعيفٍ يُظلم، وصغيرٍ يَكْبُر وكبيرٍ يَهْرَم، وحيٍ يموتُ وجنينٍ يُولد، وكلهم بين مسرورٍ بموجودٍ ومحزونٍ بمفقود.. انتهى كلام هذا المُعَمِّر، الذي كان سيحتاج إلي 420 شمعة في عيد ميلاده لو كانوا يحتفلون باعياد ميلادهم!!

كلُ عامٍ وانت بخير، سنة حلوة يا جميل.. هناك عبارةٌ منسوبةٌ إلي على بن ابي طالب- رضي الله عنه- يصف فيها الدنيا، يقول: الدنيا إذا أحلت أوحلت، واذا كَسَت أوْكَسَت، واذا جلَّت أوجلت، وإذا أيْنَعت نعت، وإذا جَفَت أوجفت. وكم من قبورٍ تُبْنَى وما تُبْنا، وكم من مريضٍ عُدْنا وما عدنا.. إنتهى الكلام المنسوب لعلي رضي الله عنه.. هذه هي الحياةُ وسنتُها منذ ان خلقها اللهُ عز وجل، في اعوامها البالية وفي عامها الحالي، بهذه المنغصات تظهر روعةُ الحياة وجمالُها (ضدان لما اجتمعا حسُنا.. والضدُ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِدُ) وأهل القران- كل لحظةٍ- هم بخير.. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ: الرعد 36.. اليهود يحسدوننا على ذلك، فعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنَّ رجلًا من اليهود قال له: يا أميرَ المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: أيُ آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: قال عمررضي الله عنه : قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائمٌ بعرفةَ يوم جمعة.. انتهى كلام عمر رضي الله عنه.. يومُ عرفة يومُ عيدٍ، ويومُ الجمعةِ يومُ عيد،ة.. كل أسبوعٍ انتم بخير، وكل عام انتم بخير..

بينما كنتُ ابحثُ عن الذين عمروا طويلًا، وجدتُ شخصيةً لفتت نظري، ورأيت ان أقدمها لكم من باب الفضول. إنه (حكيم بن حزام) حكيمٌ بنُ حزام بن خويلد الأسدي، صحابي جليل، عاش 120 عامًا، وُلد في جوف الكعبة بمكة، وذلك أن أمه صفية بنت زهير بن الحارث بن أسد، دخلت الكعبة في نسوة من قريش وهي حامل، فأخذها الطَلَقُ، فولدت حكيمًا بها، ولم يُولدْ مولودٌ غيرُه في جوف الكعبة، وكان ذلك قبل عام الفيل يثلاثةِ عشرعامًا، وهو ابن عم أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان حكيم صديقاً حميماً لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، فقد كان يألف ويأنس ويرتاح إلى صحبة النبي ومجالسته، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبادله وداً بود وصداقةً بصداقة. وبالرغم من ذلك لم يُسْلم إلا بعد فتح مكة. قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «إن بمكةَ لأربعةُ نفرٍ أربأُ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الإسلام: (عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو).. فصةُ حكيم بن حزام طويلة وشيِّقة وهي متاحة في الكتب الورقية والالكترونية لمن أراد. أختتم بوصية ذو الأصابع العذري الذي عاش مائتين وعشرين عاما، وهو أحدُ حكماء العرب في الجاهلية. من اقواله الخالدة وصيته لابنه أُسيد قبل موته، انها وصايا مهمة من رجل حكيم دربته السنين، قال لابنه أسيد: ( يا بني إن أباكَ قد فنيَ وهو حيٌ، وعاش حتى سَئِمَ العيشَ، وإني مُوصيك بما إن حفظتَه، بلغت في قومك ما بلغتُه، فاحفظ عني: ألِن جانبَك لقومِك، يحبوك. وتواضع لهم، يرفعوك. وابسط لهم وجهَك، يطيعوك. ولا تستأثر عليهم بشيءٍ، يسوِّدُوك ( يجعلونك سيدا) وأكرم صغارَهم كما تُكرم كبارهم، يُكْرمك كبارُهم ويكبر على مودتك صغارهم. واسمح بمالك واحم حريمَك وأعزز جارَك، وأعن من استعان بك، وأكرم ضيفَك وأسرع النهضة في الصريخ (كناية عن نجدة الملهوف والبطولة والشجاعة) فوالله إن لك أجلا لا يعدوك. وصُن وجهَك عن مسألة أحد شيئا فبذلك يتم سؤددُك ثم أنشأ يقول:

أأسيد إن مالا ملكت فسر به سيرا جميلا

آخ الكرام إن استطعت إلى إخائهم سبيلا

واشرب بكأسهم وإن شربوا به السم الثميلا ..هذا البيت من القصيدة مجاريا للمثل السوداني من غرب السودان الذي يقول ( أهلك كان كلاب بنبحو كلهم، أنبح معاهم)

هذه هي الأرض منذ ان خلقها الله وهي تدور كل يوم حول محورها مرة واحدة كل 24 ساعة، ما يجعل شروق الشمس وغروبها والليل والنهار سمة يومية للحياة على هذا الكوكب، وتدور حول الشمس فتتشكّل الفصول الأربعة من السنة، وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء، وتمر الأعوام وكل عام وانتم بخير، َلا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.. يس آية 40

أفرح بالعام الجديد ولكن تذكر القول المأثور( يا ابن آدم إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك، يا ابن آدم إنما أنت زمان فإن ذهبت ثانية أو جزء من الثانية إنما ذهب بعضك) هذه المنغصات إيجابية تدفعك كي تعيش حياة سعيدة، مطمئنة والله تعالى يقول في سورة النحل مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أما اذا اختلطت عليك الأمور وتهت بين السطور، فاعمل بوصية الامام الشافعي ، التي يقول فيها:

دعِ الأيامَ تفعلُ ما تشاءُ..

وطِبْ نفسًا إذا حَكَمَ القَضَاءُ..

ولا تَجْزَعْ لِحَادِثةِ الليَالي

فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ..

وكن رجلاً على الأهوال جلداً..

وشيمتُك السماحةُ والوفاءُ..

أما أنا، أقول لك: كلُ عامٍ وانت بخير..

والله أعلى وأعلم..

31 ديسمبر 2024م

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!