أعمدة الرأي

زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة تكتب مبارك الفاضل… الرخيص حين يتحدث باسم الوطن

 

في اللغة العربية، تعني كلمة رخيص ما قَلّ ثمنه، أو ما يُشترى بلا عناء. ولكنها حين تُسقط على الإنسان، تتحول من وصف مادي إلى حكم قيمي، فيصبح الرخيص هو الذي يُفرّط في المبادئ، ويُساوم على القيم، من أجل مكاسب زائلة.

 

في العامية السودانية، يتسع المعنى ليشمل كل من خان العِشرة، وانقلب على مواقفه، وتنازل عن احترامه لنفسه في سبيل منفعة رخيصة.

فالرخيص هنا هو من يُقال عنه ما عندو ضهر، سايقاهو بطنو، أي من يمشي خلف رغباته، ويبيع المواقف لمن يدفع أكثر أو يمنح منصباً.

 

أما في السياسة، فالرخيص هو أخطر الكائنات هو السياسي المتلوّن، الذي يتحول من بطل قومي إلى عميل مأجور، ومن مدافع عن الوطن إلى بوق للعدو، فقط لأنه لم يحصل على منصب أو اعتراف من السلطة. هو من يضع الوطن على طاولة المزاد، ويُعلن المبدأ شعارات، ثم ينقضّه خلف الكواليس.

 

ومن بين هؤلاء، يتصدر مبارك الفاضل قائمة الرموز السياسية التي تجسد هذا المعنى بكل أبعاده، فلا يكاد يثبت على موقف، ولا يعرف الناس له ولاء إلا لمصلحته الخاصة.

 

في بداية حرب الكرامة، كان صوت مبارك الفاضل مرتفعاً بدعم الجيش، يتحدث عن وحدة السودان وسيادته، ويهاجم المليشيا باعتبارها خطراً على الدولة ومؤسساتها. بدا كمن استعاد وطنيته المفقودة، أو لعله حاول أن يُجمّل صورته المهترئة منذ سنوات.

 

لكن المتأمل في خطابه آنذاك يدرك أن دعمه للجيش لم يكن نابعاً من مبدأ، بل من طمع سياسي واضح، حيث كانت طموحاته تتجه صوب رئاسة الوزراء، عبر بوابة مجلس السيادة، طامحاً في أن يُكافأ على موقفه الوطني الزائف.

 

وحين لم ينل ما أراد، ولم يجد الترحيب الذي توقعه، بدأ جلد الحرباء يتغير، وانسحب تدريجياً من موقفه الصريح، ليظهر لاحقاً في خطابات مائعة، يرفع شعار أوقفوا الحرب ولا للحرب في تبنٍ غير مباشر لرؤية المليشيا، وتجاهل واضح للواقع الذي خلقته تلك العصابات المسلحة الإرهابية المتمردة.

 

في ظهور مبارك الرخيص على برنامج مباشر الجزيرة مع أحمد طه، ظهر الحرباء بموقف مهادن للمليشيا، ومحاولاً تقديم نفسه كصوت عقلاني وهو الذي لايعرف معنى عقلانية، بينما حملت تصريحاته رسائل تضليل صريحة. قال بوضوح على الجيش ان يوقف زحفه ويكتفي بماحقق من إنتصارات ، وكرر وصف الحرب بأنها عبثية، متجاهلاً تماماً سياق بداياتها ومن أشعلها، وملوحاً برؤية استسلامية تعيد تشكيل المشهد لصالح المليشيا، وإن بدت بطريقة غير مباشرة.

 

وفي رده على سؤال حول موقفه من الدعم السريع، تهرب من الإدانة الواضحة، وطفق يلوح بكلام عام عن ضرورة الحل السياسي ووقف القتال، محاولاً إعادة تدوير نفسه كلاعب انتقالي محتمل في أي تسوية قادمة ، غير أن محاولته هذه باءت بالفشل، إذ قوبلت تصريحاته بعاصفة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهمه كثيرون بالارتزاق والعمالة وخيانة الدم ولم يكن ذلك بجديد على مبارك الفاضل، فقد استعاد السودانيون موقفه الأشد خيانة في تسعينيات القرن الماضي، عندما قدم معلومات كاذبة للولايات المتحدة الأمريكية أدت إلى قصف مصنع الشفاء للأدوية، ضارباً وقتها بالصالح الوطني عرض الحائط، ومثبتاً أن حساباته الشخصية كانت دوماً فوق مصلحة الشعب.

 

في مثل هذه المواقف نستدعي الحكايات والقصص السودانية، وتقفز إلى ذهني قصة الرجل الجبان، الذي شهد واقعة بين أهله وآخرين، فمن جبنه كان يقول لكل طرف في الصراع أنا معكم، ويمشي بينهم بالوشاية، ظناً منه أنه بذلك يحمي نفسه. فلما اكتشفه أهله وأولئك، لفظه الجميع وتركوه عارياً يشكو حاله لحجارة الارض وطوبها.

 

هذه القصة ليست إلا مرآة لموقف مبارك الفاضل، الذي تقلب بين الولاء للجيش، ثم التماهي مع المليشيا، ثم تبنّي خطاب الحياد الزائف، في محاولة بائسة لحفظ ما تبقى من صورته. لكن في واقع الأمر، انكشفت لعبته وسقط قناعه، ولم يبقَ له في نظر الشعب إلا لقب رخيص.

 

في السياسة، كما في الحياة، لا يُغفر لمن يبيع وطنه، ولا لمن يجعل من معاناة الناس سلماً لصعوده الشخصي ، وقد أثبتت تجربة مبارك الفاضل أن السياسي الذي لا يُحركه الضمير، سرعان ما يسقط، مهما زور مواقفه أو رفع شعارات السلام الزائفة.

 

لقد اصبح اسم مبارك الفاضل اليوم مرادفاً للتقلب والانتهازية، لا يُذكر إلا وتتبعه صفات الخيانة والتلون، وانتهى به الحال كما في القصة السالفة لا مع هؤلاء، ولا مع أولئك، بل وحده، في الظل، يلعنه التاريخ والناس معاً..لنا عودة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!