من أعلى المنصة ياسر الفادني يكتب للسياسة إستيكر !

في السودان باتت السياسة ملصقًا مؤقتًا يعلّقه البعض على جبينه حين تتقاطع مصالحه مع المال والسلطة، ثم يمزقه بكل برود متى ما جفّ المصب أو شحّ العائد، كثير من الناشطين السياسيين تغيّرت جلودهم أكثر من مرة، لا بفعل التطور أو النضج، بل تحت ضغط الجشع والانتهازية، لا يتحرجون من القفز من ضفة إلى أخرى، ولا يخجلون من التوقيع على مواقف متناقضة، فالغاية لديهم لم تعد الوطن، بل الحسابات البنكية والمكاسب الآنية، آخرهم لا أعجب مبارك الفاضل، الذي جرّب كل الثياب السياسية، حتى إستهلكها ولم يبقَ منها إلا خيوط الخيبة والتكلف
هذه الظاهرة المريضة تستحق تشريحًا نفسيًا قبل أن تكون تحليلًا سياسيًا، لأن من يبدّل قناعاته بهذه السرعة لا يمكن أن يحمل في داخله وطنًا، بل يحمل فجوة أخلاقية كبيرة يُسكِتها بالتصريحات المعلّبة والتبريرات السمجة، تغوّلت الانتهازية على العمل العام، وأصبح الصوت الأعلى لمن يصرخ في كل إتجاه، طالما أن العائد مضمون
لكن في الجهة الأخرى، هناك من لا يبدّل جلده، ولا يكتب مواقفه بالحبر القابل للمحو، رجال ونساء يقاتلون اليوم في الميدان، لا من أجل منصب ولا صفقة، بل من أجل وطنٍ تتآكله الخيانات من الداخل والخارج، هم الذين يحملون السلاح عن قناعة، ويدافعون عن الأرض بالعزيمة لا بالصفقات، هؤلاء لا يملكون ترف الخيانة، لأنهم يعرفون تمامًا ثمن الأرض والدم، ويعرفون أن الوطن لا يُباع بل يُحمى
بين من يتلوّن كل يوم، ومن يثبت رغم العواصف، يظهر الفرق بين من يرى السياسة سلعة موسمية، ومن يراها التزامًا أخلاقيًا وموقفًا لا يُشترى والسياسة في السودان، للأسف، امتلأت بالاستيكرات الرخيصة، وقلّ فيها معدن الرجال.