د.عبدالرحيم حاج الأمين يكتب بين قدسية القرآن ومرونة القانون: الفرق لا يبرر الفوضى !

كثيرًا ما نخوض معارك قانونية في محاولة تطبيق النصوص، وكثيرًا ما نسمع من يقول: “القانون ليس قرآنًا”… لكن هذه المقولة، وإن بدت عادية، تحمل في طياتها خلطًا مفاهيميًا خطيرًا.
فالقرآن الكريم 📖 نصٌّ إلهيٌّ محفوظ وثابت، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بينما القانون هو نصٌّ وضعيٌّ بشريٌّ متغيّر، قابل للتطوير حسب مقتضيات المصلحة العامة وقيم العدالة.
ولكن، هذا الفرق لا يُسوّغ التهاون في احترام القانون، ولا يُبرر التجاوز أو الانتقائية في تطبيقه. فالقانون، وإن لم يكن مقدسًا، إلا أن احترامه واجب وضروري لضمان الاستقرار.
احترام القانون: جوهر الدولة
احترام القانون يعني احترام قيم كبرى مثل:-
العدل، المساواة، الشفافية
الانضباط. والغريب أن التشكيك في النص القانوني كثيرًا ما يصدر عن من أمضوا أعمارهم في تطبيقه أو تدريسه! فهل نحن أمام أزمة وعي قانوني لدى من يُفترض أنهم حماة المنظومة؟
*التفسير المشروع أم التفلت* *المقصود* ؟
نعم، القانون قابل للتفسير… لكن بين تفسير النص وتجاوزه خيط رفيع:
التفسير ضرورة قانونية
أما التحايل عليه، فهو تقويض لهيبة الدولة
حين يُستخدم التفسير لتمييع النص أو التحايل عليه، ننتقل من سلطة النص إلى سلطة المزاج، ومن دولة القانون إلى دولة الأشخاص.
في الدول المستقرة، لا يُقاس القاضي بقدرته على “الالتفاف على النص”، بل بانضباطه في حفظ روحه ومعناه.
*دولة القانون أم دولة* *الأشخاص* ؟
السؤال الجوهري هو:-
هل نعيش في دولة قانون أم في دولة أشخاص؟
إذا أصبحت الأولوية للنفوذ لا للنص، ضاعت العدالة، وغابت المساواة، وساد مبدأ:-
“الحق لمن يملك القوة لالمن يملك الحق!”
النصوص القانونية:- درع الفقراء.
من يهاجم النصوص القانونية غالبًا ما يتحدث من موقع قوة. أما الضعفاء والمظلومون، فلا ملجأ لهم سوى القانون.
فالنصوص ليست جافة، بل هي:-
ملاذ للمظلوم، ضمانة للفقراء
كابح لجموح السلطة حين يُفرّغ النص من مضمونه، يُصبح القانون أداةً في يد المتنفذين، ويتحوّل إلى سوط على رقاب البسطاء.
*وهل يحترم القرآن القانون؟*
الإجابة باختصار:-
القرآن لا يخضع للقانون، بل هو مصدر تشريع أعلى
لكنه يُقرّ مبدأ احترام النظام، والطاعة للسلطة في غير معصية ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: 57]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]
﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]
هذه الآيات تؤسس لمجتمع يحترم النظام والعدل والعقود، وتُعزز قيم الانضباط والطاعة دون خضوع أعمى.
الخاتمة: سيادة القانون أو الفوضى؟
القانون ليس قرآنًا، نعم…
لكن هذا لا يعني أن التجاوز عليه بطولة، أو أن التساهل معه حكمة.
إن احترام النصوص القانونية لا يعني الجمود، بل يعني بناء دولة مؤسسات قوية، لا تهتز بتغير الأشخاص أو الحكومات.
وأما من يسخر من ” *عبدة النصوص* “، فهم لا يدركون أن البديل عن النص هو الفوضى، والبديل عن القانون هو الاستبداد، ولو غُلّف بشعارات براقة.
خلاصة!
القانون هو درع المجتمع، وميزان العدالة، وملاذ الضعفاء.
احترامه ليس ترفًا… بل ضرورة لبقاء الدولة ذاتها. .
*د.عبدالرحيم حاج الأمين*
القاهرة 16/ يونيو / 2025