أعمدة الرأي

صهيب حامد يكتب هل سيتقيَّأ ترمب الرشوة الإماراتية !!؟. (١-٥)

 

إذن (وبشفافية) فلقد أفلحت الإمارات وخلال شهر أن تسجِّل هدفين في مرمى بلادنا تعويضاً عن الهزائم التي تلقتها خلال عامٍ خلا ، فلقد نجح الجيش السوداني في إلحاق الهزائم المتتالية بقواتها منذ تحرير (جبل موية) ومنها كذلك تحرير سهول البطانة (الدندر والسوكي والحواتة) ثم تحرير سنجة وصولاً لمدني. وإنطلاقاً من مدني تم تحرير كامل جزيرتنا الخضراء وبعدها تحرير كامل ولاية النيل الأبيض ثم عاصمتنا القومية (ولاية الخرطوم). وهكذا كي ينطلق جيشنا بعدها لولاية شمال كردفان محرراً محليات الرهد وأم روابة وشيكان فاتحاً الطريق القومي (كوستي – الأبيض) وصولاً إلى الخوي و الدبيبات ، لتعلن قواتنا من هناك تأهبها لإكمال المهمة المقدسة المتمثلة في تحرير متبقي كردفان ودارفور. إذن مقابل كل هذا البهاء الميداني نجحت الإمارات في كسب معركة محكمة العدل الدولية و رشوة الرئيس ترمب لوضع السودان في قائمة العقوبات الأمريكية!!. ولكن هل يجدي الإمارات ذلك لكسب معركتها المصيرية في السودان!!؟. لقد إفترض هذا الكاتب في سلسلة مقالات سابقة محدودية إمكانيات بلادنا على تحييد الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي لصالح قضية السودانيين لعمق إرتباط (الإمارات) مع المركز الإمبريالي(Imperial power) الحالي (أمريكا والغرب عموماً) حيث تعمل الإمارات مع هذا المركز كقوة شبه إمبريالية (Sub—imperial power) تابعة له في الشرق الأوسط وأفريقيا. إنَّ السؤال الإستراتيجي الذي تحاول هذه السلسلة الإجابة عليه ما إذا فعلاً تمتلك الولايات المتحدة في هذا المنعطف ترف فرض عقوبات على بلد بحجم وإمكانيات السودان وأهميته الإستراتيجية!!؟ وما إذا بإمكاننا أن نتجاوز هذا المطب ونجعل الرجل (ينفزر) كما هو منفزر أمام إيران اليوم!!؟.

 

لقد نالت بلادنا إستقلالها في ١٩ ديسمبر ١٩٥٥م ومذاك قادتنا نخبة وطنية ضعيفة مصنوعة تنكَّبت بنا الطريق وتردَّت ببلادنا أسفل سافلين كي نعيش إلى اليوم ما يقارب ٧٠ عاماً من التيه والذل والمهانة (!!!) .. ولكن هل بلادنا بدعاً في ذلك!!؟.فلقد نهضت الصين من رمادها إنطلاقاً من منتصف القرن السابق كفينيقٍ في بهاءه العجيب بعد أنْ رَسَفَتُ في أغلالها مائةِ عام منذ منتصف أربعينيات القرن الثامن عشر وإلي نهاية أربعينيات القرن العشرين فيما أسمي بقرن الإذلال الصيني (Humiliation century). لقد سيطرت بريطانيا على الصين فيما أسمي بحروب الأفيون الأولى (١٨٣٩م-١٨٤٢م) والثانية (١٨٥٧م) والتي إنتهت بهزيمة نكراء للصين تحت حكم أسرة شينغ الإمبراطورية (Qing). لقد أُرغم الإمبراطور بعد ذلك على السماح لدخول الأفيون للصين ليصير مواطنيه شعباً من المدمنين مما رجح ميزان المدفوعات بين البلدين لصالح بريطانيا التي لم تكن تتجشم أكثر من عناء زراعة الأفيون في الهند ثم تصديره إلى الصين لتأخذ مقابله الحرير والبهار والشاي والبورسلين!!. ومذَّاك تخبطت الصين الإمبراطورية رازحة في سنين ذُلّها إلى إندلاع ثورة شينخاي (Xinhai) في العام ١٩١١م بقيادة أبو الصين الحديثة صن يات سين (Sun Yat Sin) مطيحة بآخر إمبراطور لعائلة شينغ (Qing Dynatsy) بووي(Buyei) الذي لم يتجاوز الحادية عشر من عمره أنذاك!!. ولكن لم تنقضي سنوات الذل الصيني ها هنا رغم سقوط الإمبراطور وإعلان جمهورية الصين (Rebuplic of China) ، إذ دخلت الصين بعدها في مخاضة طويلة من الصراعات الداخلية كانت أهمها حقبة (لوردات الحرب) من ١٩١٦-١٩٢٧ ، ثم الحرب الأهلية بين الشيوعيين بقيادة (ماو تسي تونج) و الكومنتانج بقيادة (جيانق كاي شيك) بين ١٩٢٧ إلى ١٩٣٧ ، ثم الإتفاق بينهما لدحر الإحتلال الياباني ، ثم إندلاع الصراع بينهما من جديد (الشيوعيين والقوميين الكومنتانج) بعد هزيمة اليابانيين في الحرب العالمية الثانية كي يتمكن أخيرا الشيوعيون من الإنتصار على الكومنتانج في ١٩٤٩م معلنين جمهورية الصين الشعبية (PRC) من بيكين وطرد (الكومنتانج) لجزيرة فورموزا (تايوان) معلنين كذلك جمهورية الصين (ROC) من هناك بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية إلى يوم الناس هذا!!. ورغم خلو وجه الصين للحزب الشيوعي ، إلّا أنّ صراع التيارات داخل الحزب الشيوعي أدخلت الصين في مخاضة جديدة من الأزمات ، فمات في ستينيات القرن الماضي لوحدها بفعل إخفاقات خطة القفزة الكبرى للأمام (Great Leap Forward) ما يقرب من ٤٠ مليون صيني بفعل الجوع ، فواجه الزعيم (ماو) موجة من الانتقادات التي هددت مكانته داخل الحزب ، فحاول التغطية على ذلك مطلقاً يد عصابة الأربعة (Gang of 4) بقيادة زوجته مدام ماو (جيانق شينغ) معلنا في ١٩٦٦م الثورة الثقافية التي في ثناياها أغلقت المدارس وحطمت كل نُصُب الصين الثقافية والحضارية لصالح عقيدة عبادة الشخصية الماوية Cult of) personality) وقتل المعارضين داخل الحزب وكذلك الموصومين بالبرجوازية والإقطاع خارجه ، إلى أن إستيقظ (ماو) في العام ١٩٧١م على دوي مؤامرة إنقلاب نائبه في الحزب ووزير دفاعه لين بياو (Lin Biao) حامي مجموعات الثورة الثقافية ومؤلف كتبها ، فإستدرك الزعيم ماو أكذوبة الثورة الثقافية فيمم شطر الإعتدال ولكن لم يسعفه العمر مهلة لبدايات جديدة فمات في العام ١٩٧٦م. أتى الزعيم دينق شياو بنج في ١٩٨٧م مجترحاً سياسة الإصلاح والإنفتاح (Reform & Opening up) والتي لتوها وضعت الصين على مدارج الرشد السياسي والحضاري مترقية إلى ما هي عليه الآن في مقدمة العالم!!. أي منذ سقوط الإمبراطور وإعلان الصين الحديثة في ١٩١١م وإلي وضع الصين قدمها على المسار الصحيح ١٩٨٧م إنصرمت ٦٧ عاماً وهو عين ما إنصرم من عمر وطننا منذ رفع العلم ، فهل نستلهم الدرس من أمة عظيمة كالصين لنرتقي مدارج العظمة والفخار أم نصبح أمةً بدداً ك(كالبوربون) لا ننسى شيئاً ولا نتعلم شيئاً!!؟.

 

إذن ماذا فاعلٌ ترمب بجلد النمر الذي قتله (العقوبات على بلادنا) ، فلقد إنتقد ترمب الرئيس أُوباما مرّ الإنتقاد على خلفية إتفاقه (النووي) مع إيران في ٢٠١٥م والذي كان مأمولاً عبره رفع العقوبات منها مقابل وقفها برنامجها النووي. جاء ترمب في مبتدأ ولايته الأولى ٢٠١٦م كي يعطل هذا الإتفاق والذي لم يرى النور مذاك وإلى عودته الأخيرة في يناير ٢٠٢٥.إذن ما الذي حدى بترمب لقلب إسطرلابه والهرولة لطاولة التفاوض مع إيران بعكس موقفه القديم ومتفانياً للوصول معها لإتفاق اليوم ، بل متخذاً موقفاً صارماً من رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يخطط لتوجيه ضربة تعطل مشروعها النووي والصاروخي!!؟. بالطبع فليس خافياً الأزمة التي تعاني منها الولايات المتحدة بخصوص العجز في الميزان التجاري الأمريكي وأزمة الدين التي صارت في طور الإنفجار إن لم تجد الحكومة الأمريكية حلول عاجلة لضخ الدماء في شرايين الإقتصاد الأمريكي خصوصاً وأن الصين قد أضحت بألف ولام العهد هي الإقتصاد الأضخم في العالم ملتهمة كل الفرص التي كانت تلتهمها الولايات المتحدة في أوقات سابقة. إنّ الذي غيّر خطط ترامب حيال إيران هو حاجة الإقتصاد الأمريكي لكل فلس يمكن أن يؤديه دخول الشركات الأمريكية كشريك في مشروعات النفط والغاز الإيرانية التي اهترأت بفعل إنعدام الإستثمارات لتطوير الحقول نتيجة العقوبات الأمريكية (قانون كاتسة). إذن لم يعد ترمب يمتلك ترف إستئناف موقفه المتشدد القديم خصوصا وهو يرى أن الصين قد إبتدرت مشروع القطار القاري (Sub—continental train) بينها وإيران لنقل النفط والغاز والقريب والتفاح من إيران إلى إقليم شينجيانغ الصيني مقابل شحن المعدات الصينية المصنعة لإيران. كذلك حيث لم يعد منهج العقوبات يخيف العالم كثيرا ، ففي ظل العقوبات المفروضة على روسيا وصل ميزانها التجاري بينها والصين إلى ٢٠٠ مليار دولار مع إستفادتها من برنامج CIPS للتحويلات (بديل لSwift) مما خفف قيود العقوبات الغربية عليها!!. بل لقد وصل الأمر في ظل تغير الوضع الجيوسياسي العالمي أن تم قبول دولة كوبا (Cuba) ك (partner country) في مجموعة بريكس (BRICS) وهو ما يعد تحدياً كبيراً للولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض عقوبات لمدة ٦٠ عاماً على الجزيرة الصغيرة في الكاريبي دون أن يجرؤ أحد من الاقتراب منها منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق!!. وليس ذلك فحسب بل يتطور الإقتصاد الأفغاني اليوم بخطىً وئيدة رغم العقوبات الغربية وكل ذلك بفعل الإستثمارات الصينية والروسية حيث تستثمر الصين اليوم في تشييد قطار قاري سريع خلال دهليز واخان (WAKHAN CORRIDOR) إلى جانب ربطها بالممر الإقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC). إذن فلقد صارت الأحداث تتسارع اليوم في العالم بعيداً عن الولايات المتحدة ولم تعد العقوبات الأمريكية في ظل وضع (جيوسياسي) متغير تلعب نفس الأدوار كما كان الأمر إبان حقبة العالم وحيد القطبية. إنَّ هذا الإجراء من قبل أمريكا لا يعدو سوى أن يكون حبلاً على عنقها بعد أن أصبح موقفها السياسي معروضاً في سوق (التشّاشة) لمن يدفع أكثر بمعزل عن مصالحها في أكبر مظهر لخفة وزنها الجيوسياسي وهو ما سوف نسهب عنه في حلقاتنا القادمة.. نواصل.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!