مقالات الرأي

مسارات محفوظ عابدين يكتب  من يبكي على حرية الصحافة؟!! …الإختشوا ماتوا.

 

عندما أوقفت السلطات الأمنية في عهد حكم الرئيس المشير عمر البشير اكثر من (١٤) صحيفة سياسية في يوم واحد من الصدور ،قامت الدنيا وقتها ولم تقعد،وأصدرت المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير بيانات الشجب والتنديد بهذا القرار وتحرك سفراء الاتحاد الأوروبي في الخرطوم جيئة وذهابا بين وزارتي الخارجية والإعلام ومجلس الصحافة يبحثون عن الإسباب ومعرفة حقيقة هذا القرار الذي لم يحدث أن توقفت (١٤) صحيفة من الصدور في يوم واحد لا في العالم ولا في السودان،وهدف هؤلاء بالتأكيد ليس هو حرية الصحافة ولكن الهدف هو إتهام النظام وإدانته بممارسة القمع والكبت ومصادرة الرأي والرأي الاخر.

ولكن سفراء الإتحاد الأوروبي وأمريكا في الخرطوم ،لم يتساءلوا يوما واحدا أنه في ظل( نظام شمولي) كما يزعمون أن تصدر فيه أكثر من( ١٤) صحيفة سياسية يوميا هذا غير الصحف الرياضية والاجتماعية وصحف التسلية وصحف المؤسسات والهيئات،لم يتساءل هؤلاء جميعا كيف تصدر هذه الصحف يوميا وتوزع مئات الآلاف من النسخ في كل أنحاء السودان؟! ،ولكل صحيفة منها ( سياسة تحرير) تختلف عن الأخرى وكل صحيفة لها (ميول سياسي) تدعمه مباشرة أو غير مباشرة بل وأخرى لها اتصالات مرئية أو غير مرئية مع بعض الجهات الأجنبية أن كانت سفارات أو منظمات،تمرر سياساتها ، وأجندتها وتعمل على إيصال رسائلها للرأي العام السوداني ، دون أن تتوقف تلك الصحف يوما، والسفارات والجهات الخارجية ترصد من هذه الصحف التي تصدر يوميا ،حالة البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتبني عليها تقاريرها اليومية ،لم يتساءل هؤلاء السفراء وتلك الجهات والمنظمات كيف يعمل هذا العدد الكبير من الصحف يوميا في السودان ولم يتوقف يوما بسبب قلة ( الورق) أو( مدخلات الإنتاج) ولا مشاكل (المطابع) ولا ظروف (التوزيع) ولا قلة( الإعلانات) ولا حتى صرامة تنفيذ القوانين التي تحكمها.

هذا العدد الكبير من الصحف السياسية الذي كان يصدر في عهد حكم البشير لم يحدث لا في دول العالم( الأول) ولا دول العالم (الثاني) وبالتأكيد لا دول العالم( الثالث) وظلت البيئة التي تعمل فيها هذه الصحف في ذلك العهد مثاليا رغم كثرة الانتقادات للنظام الحاكم في ذلك الوقت من المعارضة السودانية ومن تلك الجهات العالمية المعنية بحرية الصحافة وحق التعبير، وكان السودان رغم ذلك يأتي في المرتبة الأخيرة او قبل الأخيرة في المؤشرات الدولية لحرية الصحافة في العالم.

ولم يتكشف أهل السودان عامة وأصحاب الاختصاص فيه المعنيين بالاعلام والذين كانوا يهاجمون نظام الإنقاذ وينادون بحق الحرية في التعبير لم يكتشفوا مساحة الحرية التي كانت متاحة في ذلك العهد الا عند ذهاب حكمه .

ورأوا بأم أعينهم ماذا فعلت (قحت) بحرية الإعلام ،أغلقت الصحف والفضائيات وشردت العاملين فيها وصادرت الحريات وأهانت الإعلاميين ورفعتهم على ظهور السيارات (البيكاب) البكاسي مثل (الأغنام) و(الضأن) كما تناقلت ذلك المشهد الفضائيات، بل أشد سوءا عندما أغلقت الطرق والجسور منعا لحق التظاهر.

وبأسم الحرية وأعادة الديمقراطية قتلت قحت والدعم السريع الآلاف من أهل السودان وشردت ملايين من السودانيين ونهبوا وسرقوا وسلبوا ممتلكات المواطنين، وساندتهم دول لا تعرف(دال) من كلمة( ديمقراطية) في قاموسها السياسي والإعلامي.

حتى في زمن الحرب لم يسلم الصحافيون من القتل فهنالك أكثر من صحفي قتل بدانات الدعم السريع وبسلاحهم مثل المصور الصحفي عصام الحاج والمصور التلفزيوني عصام مرجان ولم يسلم حتى أبناء الإعلاميين من التعذيب والقتل مثلما حدث ل(وضاح) أبن الاستاذ محمد أبشر بالتلفزيون القومي وزوجته المخرجة حنان حيث مات إبنهم وضاح بعد أسره وتعذيبه ورميه في الشارع دون رحمة أو إنسانية وحتى هذه اللحظة لم يسلم الصحفيين من الكيد السياسي، بل حولت مليشيا دعم السريع مباني الإذاعة وتلفزيون إلى( معتقل كبير) وبيعت أجهزتها الفنية في السوق،ولم تسلم مكاتب بعض الفضائيات الخارجية من سرقة أجهزة الإرسال والأجهزة الفنية الأخرى ولعل اخر ما حدث كان للاستاذ عطاف عبد الوهاب يوم الخميس الماضي.

أما دول الإتحاد الأوروبي وامريكا الذين كانوا يبكون على صحيفة توقفت يوما أو تم اعتقال صحفي بالقانون هم يغضون الطرف اليوم عن جرائم قتل الصحفيين بدم بارد كما حدث لمراسلة الجزيرة شيرين أو عاقلة، ويتم قتل عشرات الصحفيين. الإعلاميين في الهجوم الوحشي الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة في فلسطين، بل منهم فقد عائلته كلها مثل مراسل الجزيرة وائل الدحدوح.

والسؤال المطروح أين الذين يبكون على حرية الصحافة في عهد البشير ويزرفون الدموع ويقيمون تجمعات العويل وسرادق العزاء علي صحيفة توقفت يوما وعاودت الصدور في اليوم التالي أو تم التحقيق مع صحفي وأطلق سراحه بعد ساعة أو سويعات، أين كل هؤلاء من الذي حدث ويحدث من إنتهاكات جسيمة وفظيعة لحرية الصحافة والإعلام بعد ذهاب عهد البشير في السودان أو ما يحدث في العالم خاصة في فلسطين..وفعلا (الإختشوا ماتوا).

زر الذهاب إلى الأعلى